ستة على ستة

الإعلان بين المادة والأخلاق

| عطا السيد الشعراوي

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يتخلل‭ ‬الإعلانات‭ ‬التجارية‭ ‬والترويجية‭ ‬للسلع‭ ‬والمنتجات‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬ما‭ ‬يسيء‭ ‬إلى‭ ‬الأخلاق‭ ‬والآداب‭ ‬العامة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المظهر‭ ‬أو‭ ‬الأداء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المحتوى،‭ ‬حيث‭ ‬المقصود‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬ربح‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬المنتج‭ ‬وجذب‭ ‬انتباه‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجمهور،‭ ‬فتتوارى‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لصالح‭ ‬الاعتبارات‭ ‬المادية‭ ‬وحسابات‭ ‬المكسب‭ ‬والخسارة،‭ ‬وقد‭ ‬تحدث‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬معاكسة‭ ‬لما‭ ‬يهدف‭ ‬إليه‭ ‬صاحب‭ ‬الإعلان،‭ ‬يضطر‭ ‬معها‭ ‬وبفعل‭ ‬الرفض‭ ‬الجماهيري‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬الإعلان‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬أعراف‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقاليده‭. ‬

هذا‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مفهومًا‭ ‬ومتوقعًا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الإعلانات‭ ‬التجارية‭ ‬بأن‭ ‬تخرج‭ ‬وتحيد‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬والأخلاق،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقًا‭ ‬بالحث‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وصحة‭ ‬وسلامة‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بالإعلانات‭ ‬“العامة”‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬توجيهها‭ ‬للمجتمع،‭ ‬فإننا‭ ‬نتوقع‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الإعلان‭ ‬منسجما‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقانون،‭ ‬وإلا‭ ‬فإنه‭ ‬سيفقد‭ ‬قيمته‭ ‬تمامًا‭ ‬ويأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭ ‬لوقوعه‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬فج‭ ‬ومستفز‭ ‬بين‭ ‬محتواه‭ ‬وبين‭ ‬رسالته‭ ‬وهدفه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬هيئة‭ ‬السياحة‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬بمدينة‭ ‬برلين‭ ‬مؤخرا‭ ‬لحث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬ارتداء‭ ‬الكمامة‭ ‬والالتزام‭ ‬بقوانين‭ ‬مواجهة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬كوفيد‭ ‬ـ‭ ‬19،‭ ‬إذ‭ ‬أثار‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعًا‭ ‬واستياءً‭ ‬كبيرًا‭ ‬بسبب‭ ‬ظهور‭ ‬امرأة‭ ‬مسنة‭ ‬فيه‭ ‬تشير‭ ‬بإصبعها‭ ‬الأوسط‭ ‬لمن‭ ‬يرفضون‭ ‬ارتداء‭ ‬الكمامة،‭ ‬وكتب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الصورة‭ ‬“هذا‭ ‬الاصبع‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يرتدون‭ ‬الكمامات”‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬هيئة‭ ‬السياحة‭ ‬حاولت‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬“البذيء”‭ ‬الذي‭ ‬يرفضه‭ ‬الجميع،‭ ‬بتأكيدها‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬لضرورة‭ ‬حماية‭ ‬المسنين‭ ‬بسلوكهم،‭ ‬وتذكير‭ ‬الناس‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقوانين،‭ ‬ولهذا‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الصيغة‭ ‬الاستفزازية‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬فئة‭ ‬معينة‭ ‬وهم‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يلتزمون‭ ‬بالقوانين‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬أثار‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬غاضبة‭ ‬واعتراض‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬اعترضوا‭ ‬لوينز‭ ‬مارولدت‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ ‬دير‭ ‬تاغيسبيغل‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬“يبدو‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إهانة‭ ‬الناس‭ ‬فعالة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬ومراقبة‭ ‬تنفيذها‭ ‬بشكل‭ ‬صارم‭.. ‬لقد‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ”‭.‬