الشيعة والقضية الفلسطينية

| عبدالنبي الشعلة

ما‭ ‬حدا‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬تلقيت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الاتصالات‭ ‬تسألني‭ ‬بالتحديد‭: ‬لماذا‭ ‬يبدو‭ ‬بعض‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أكثر‭ ‬حماسا‭ ‬وحدة‭ ‬واندفاعًا‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬معارضة‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بتطبيع‭ ‬علاقاتهما‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬اسرائيل‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬معها؟‭ ‬ومنذ‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬للشيعة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬أو‭ ‬تفاعل‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؟

إنني‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬ادعاء‭ ‬المقدرة‭ ‬على‭ ‬الإجابة‭ ‬الوافية‭ ‬على‭ ‬هذين‭ ‬السؤالين‭ ‬الهامين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭ ‬والمساحة‭ ‬الضيقة،‭ ‬لكنني‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشيعة‭ ‬العرب،‭ ‬شأنهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬باقي‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين،‭ ‬ملتزمون‭ ‬ويؤمنون‭ ‬في‭ ‬عميق‭ ‬ضمائرهم‭ ‬بعدالة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاجون‭ ‬لمن‭ ‬يعطيهم‭ ‬دروسا‭ ‬في‭ ‬فضائل‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬وهم‭ ‬يرفضون‭ ‬محاولات‭ ‬استنهاض‭ ‬الشعور‭ ‬بالمظلومية‭ ‬الدفين‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الكثير‭ ‬منهم،‭ ‬وتحريكه‭ ‬واستغلاله‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتاجرين‭ ‬بقضايا‭ ‬ومصائر‭ ‬الشعوب‭ ‬لخدمة‭ ‬أهدافهم‭  ‬وأجنداتهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬الخاصة‭.‬

وفي‭ ‬محاولة‭ ‬الإجابة‭ ‬سنبدأ‭ ‬بتوضيح‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب‭  ‬والخلفيات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تساعدنا؛‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الإسماعيليين‭ ‬المسلمين‭ ‬بمختلف‭ ‬تفرعاتهم‭ ‬مثل‭ ‬البهرة‭ ‬والخوجة‭ ‬واسماعيلية‭ ‬نجران‭ ‬وغيرهم،‭ ‬يعتبرون‭ ‬من‭ ‬الطوائف‭ ‬الشيعية،‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬أو‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭ ‬ضمن‭ ‬مفرداتهم‭ ‬أو‭ ‬أبجدياتهم،‭ ‬وإن‭ ‬طائفتي‭ ‬البهرة‭ ‬والخوجة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬منشغلتان‭ ‬دائمًا‭ ‬وحتى‭ ‬النخاع‭ ‬بقضايا‭ ‬العلم‭ ‬والمال‭ ‬والتجارة،‭ ‬ولا‭ ‬تلتفتان‭ ‬إلى‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية،‭ ‬وهما‭ ‬لا‭ ‬تنكران‭ ‬ذلك‭ ‬بل‭ ‬تفاخران‭ ‬به،‭ ‬لذا‭ ‬فإننا‭ ‬سنحصر‭ ‬ملاحظاتنا‭ ‬في‭ ‬الشيعة‭ ‬الإثناعشرية‭ ‬أو‭ ‬الإمامية،‭ ‬وهم‭ ‬يشكلون‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الشيعة،‭ ‬وتتراوح‭ ‬تقديرات‭ ‬عددهم‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬إلى‭ ‬300‭ ‬مليون،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬شيعة‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭.‬

ثمة‭ ‬حقائق‭ ‬ووقائع‭ ‬مفصلية‭ ‬يعرفها‭ ‬الجميع‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬بسرعة‭ ‬خاطفة‭ ‬لتقربنا‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬الأجوبة؛‭ ‬فصفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬خلاف‭ ‬حولها‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬القدس‭ ‬قد‭ ‬استسلمت‭ ‬لجيش‭ ‬المسلمين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحاصرها‭ ‬بقيادة‭ ‬الصحابي‭ ‬أبوعبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬الذي‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬التوجه‭ ‬شخصيًا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬“إيليا”‭ ‬أو‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬16هـ‭ ‬لاستلام‭ ‬مفاتيحها،‭ ‬وبذلك‭ ‬استكمل‭ ‬فتح‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وصارت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة،‭ ‬وقد‭ ‬عُين‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬واليا‭ ‬على‭ ‬الشام‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬21هـ‭.‬،‭ ‬وكانت‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬قد‭ ‬فتحت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭.‬

وعندما‭ ‬تولى‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬35هـ‭ ‬امتنع‭ ‬معاوية‭ ‬وأهل‭ ‬الشام‭ ‬عن‭ ‬مبايعته،‭ ‬فنشب‭ ‬وتصاعد‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬وبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬صفين،‭ ‬وقد‭ ‬“ظلت‭ ‬فلسطين‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬أجناد‭ ‬الشام‭ ‬وفية‭ ‬لمعاوية،‭ ‬وانضمت‭ ‬إلى‭ ‬جيشه‭ ‬المقاتل‭ ‬في‭ ‬صفين‭ ‬قبائل‭ ‬فلسطين‭ ‬كالأزد‭ ‬وكنانة‭ ‬وجذام‭ ‬ولخم‭ ‬وخثعم”،‭ ‬وقتل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعركة‭ ‬45‭ ‬ألفًا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الشام‭.‬

ومن‭ ‬أرض‭ ‬الشام‭ ‬أصدر‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ ‬الثاني‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬معاوية‭ ‬أوامره‭ ‬بقتل‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬إذا‭ ‬رفض‭ ‬مبايعته،‭ ‬وإلى‭ ‬أرض‭ ‬الشام،‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الحسين،‭ ‬سيقت‭ ‬سيدات‭ ‬البيت‭ ‬النبوي‭ ‬سبايا‭ ‬ليرين‭ ‬أهل‭ ‬الشام‭ ‬شامتين‭ ‬يستقبلونهن‭ ‬بالأهازيج‭ ‬والطبول‭ ‬والدفوف‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المرويات‭ ‬الشيعية،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬مقتل‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬هو‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوعي‭ ‬الجماعي‭ ‬الشيعي،‭ ‬فهل‭ ‬بقيت‭ ‬تلك‭ ‬الوقائع‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬المهج‭ ‬الشيعية‭ ‬لتلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬مواقفهم‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عندما‭ ‬برزت‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬قبيل‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي؟‭ ‬

إن‭ ‬الوجدان‭ ‬الشيعي‭ ‬ظل،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬مشغولًا‭ ‬ومسكونًا‭ ‬بقضية‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬ومظلومية‭ ‬أهل‭ ‬البيت،‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬قضيتهم‭ ‬المركزية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وعند‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬كان‭ ‬الشيعة‭ ‬العرب‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتهميش‭ ‬والاقصاء‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني؛‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬شيعة‭ ‬البحرين،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬مثل‭ ‬شيعة‭ ‬العراق؛‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬أيضًا‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الاقصاء‭ ‬نتيجة‭ ‬لدورهم‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬1920‭ ‬ضد‭ ‬البريطانيين‭ ‬الذين‭ ‬احتلوا‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭.‬

ونتيجة‭ ‬لإيمان‭ ‬الشيعة‭ ‬عمومًا‭ ‬بنظرية‭ ‬الانتظار‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬للشيعة‭ ‬العرب‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬واقعا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الفقه‭ ‬التقليدي‭ ‬الشيعي‭ ‬الذي‭ ‬يعوقهم‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬ممارسته‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تقوقعهم‭ ‬وانكفائهم،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬يفسر‭ ‬عدم‭ ‬مشاركة‭ ‬شيعة‭ ‬البحرين‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بتقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬خلالها‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬المعبد‭ ‬اليهودي‭ ‬وعلى‭ ‬ممتلكات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ونهبها،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬للشيعة‭ ‬العرب‭ ‬مواقفهم‭ ‬المؤيدة‭ ‬والداعمة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مرجعيتهم‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬النجف‭ ‬الأشرف‭ ‬بالعراق‭ ‬كما‭ ‬سنرى‭ ‬لاحقًا‭.‬

إن‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يقطنها‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتحتضن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الحوزات‭ ‬والمراجع‭ ‬العلمية‭ ‬والفقهية‭ ‬الشيعية،‭ ‬وبمدينة‭ ‬قم‭ ‬الإيرانية‭ ‬تقع‭ ‬المرجعية‭ ‬الشيعية‭ ‬العليا‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬العراق،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬البهلوي‭ ‬وأيام‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬تتمتع‭ ‬بحضور‭ ‬وتأثير‭ ‬محسوسين‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الإيرانية‭.‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬ثاني‭ ‬دولة‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعترف‭ ‬بإسرائيل‭ ‬“بحكم‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع”‭ (‬De facto Recognition

فور‭ ‬قيامها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948،‭ ‬ثم‭ ‬توج‭ ‬ذلك‭ ‬باعتراف‭ ‬كامل‭ ‬بها‭ ‬وتبادل‭ ‬دبلوماسي‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬نفرا‭ ‬من‭ ‬الشيوعيين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬عبروا‭ ‬باستحياء‭ ‬شديد‭ ‬عن‭ ‬استيائهم‭ ‬لقرار‭ ‬الحكومة،‭ ‬وأن‭ ‬الزعيم‭ ‬الإيراني‭ ‬الليبرالي‭ ‬محمد‭ ‬مصدق‭ ‬قام‭ ‬بتخفيض‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسا‭ ‬للوزراء‭ ‬من‭ ‬1951‭ ‬إلى‭ ‬1953،‭ ‬والتي‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬به؛‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتمكن،‭ ‬رغم‭ ‬محاولاتي،‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬دليل‭ ‬يؤكد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬المرجعية‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬حوزاتها‭ ‬أو‭ ‬مراجعها‭ ‬الكبار،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع‭ ‬الإيراني،‭ ‬بالاعتراض‭ ‬أو‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الشاه‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬حتى‭ ‬ظهور‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬المواقف‭ ‬والجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬المرجعية‭ ‬العربية‭ ‬بالنجف‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬مراجع‭ ‬العراق‭ ‬مثل‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬كاشف‭ ‬الغطاء‭ ‬الذي‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1931‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬وحضر‭ ‬مؤتمرا‭ ‬إسلاميًا‭ ‬لنصرة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬وألقى‭ ‬خطابا‭ ‬ارتجاليا‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬دام‭ ‬ساعتين‭ ‬ألهب‭ ‬شعور‭ ‬المشاركين،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬والبيانات‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬وتنصر‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬جمعها‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬اسماه‭ ‬“فلسطين‭ ‬قضية‭ ‬المسلمين‭ ‬الكبرى”،‭ ‬وأيضا‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬خطب‭ ‬ومكاتبات‭ ‬المراجع‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مثل‭ ‬السيد‭ ‬محسن‭ ‬الحكيم‭ ‬والسيد‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬الصدر‭ ‬والسيد‭ ‬أبو‭ ‬القاسم‭ ‬الخوئي‭ ‬وغيرهم‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1979،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أطلق‭ ‬عنان‭ ‬قادتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬طموحاتهم‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬بسط‭ ‬نفوذهم‭ ‬وسيطرتهم‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬وتزعم‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بتفعيل‭ ‬استراتيجية‭ ‬أو‭ ‬سياسة‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة،‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تعبئة‭ ‬وجدانية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬سياسي‭ ‬للدين،‭ ‬واستغلال‭ ‬للقضايا‭ ‬المصيرية‭ ‬للشعوب،‭ ‬فكانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أفضل‭ ‬قاطرة‭ ‬أو‭ ‬معبر‭ ‬لتسهيل‭ ‬عملية‭ ‬التصدير‭ ‬وتسويقها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬مستهدفين‭ ‬الشيعة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬أوطانهم‭ ‬كجسور‭ ‬وممرات‭ ‬للعبور،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬بعضهم‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬الفخ،‭ ‬وابتلع‭ ‬الطعم،‭ ‬ووضعوا‭ ‬انفسهم،‭ ‬ربما‭ ‬بحسن‭ ‬نية،‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬المعارضة‭ ‬لجهود‭ ‬التسوية‭ ‬السلمية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

نرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهدينا‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬سواء‭ ‬السبيل‭.‬