الفقر والعدالة الاجتماعية

| عبدعلي الغسرة

خلق‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬معًا‭ ‬لكي‭ ‬يستفيد‭ ‬كلٌ‭ ‬منهما‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬فالطبيعة‭ ‬لديها‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬حياتية،‭ ‬وللإنسان‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬ما‭ ‬يستخرج‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬لتكون‭ ‬معاشًا‭ ‬له‭ ‬وحياة،‭ ‬ومع‭ ‬العصور‭ ‬والتجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬أصبحت‭ ‬لديه‭ ‬المنتجات‭ ‬وأفضل‭ ‬التقنيات،‭ ‬وكان‭ ‬يأمل‭ ‬بمجتمع‭ ‬يتحقق‭ ‬فيه‭ ‬التساوي‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬الكثرة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬وبين‭ ‬الكثرة‭ ‬الذين‭ ‬يتقاسمون‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الموارد،‭ ‬وهي‭ ‬معادلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬نتيجة‭ ‬ضيق‭ ‬الطبيعة‭ ‬ولا‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬إشباع‭ ‬احتياجات‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬نتاج‭ ‬تحول‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬كائن‭ ‬إنساني‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬مادي،‭ ‬سالبًا‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الغير‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حاجته‭ ‬ليعيش‭ ‬في‭ ‬ثراءٍ‭ ‬فاحش،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الآخرين‭ ‬يعيشون‭ ‬حياة‭ ‬البؤس‭ ‬والظمأ‭ ‬والعوز‭ ‬والجوع‭.‬

العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يزخر‭ ‬بالوسائل‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والموارد‭ ‬المالية‭ ‬وخيرات‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬استغلت‭ ‬استغلالًا‭ ‬أمثل‭ ‬لشبع‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬جميعًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬اجتماعي‭ ‬ونمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسع‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الأغنياء‭ ‬والفقراء،‭ ‬إنه‭ ‬الفقر‭ ‬الذي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬النظريات‭ ‬ولمع‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬وصدرت‭ ‬لأجله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تسد‭ ‬جوع‭ ‬الفقراء‭ ‬وتشفع‭ ‬لهم‭ ‬عند‭ ‬الأغنياء،‭ ‬بل‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬الملكيات‭ ‬وتضخمت‭ ‬الرساميل‭.‬

فالفقر‭ ‬ليس‭ ‬مسألة‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية،‭ ‬بل‭ ‬ظاهرة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬ومن‭ ‬أسبابها‭ ‬غياب‭ ‬المساواة،‭ ‬البطالة،‭ ‬غياب‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وهشاشة‭ ‬التنمية،‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬استبداد‭ ‬المنظمات‭ ‬التمويلية‭ ‬الدولية‭ ‬وارتفاع‭ ‬الدين‭ ‬العام‭.‬

ويحتفل‭ ‬العالم‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬بيوم‭ ‬الفقر‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“العمل‭ ‬معًا‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبيئة‭ ‬للجميع”،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬يُحقق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتقدم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬ويُوفر‭ ‬احتياجات‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬غذاء‭ ‬وتعليم‭ ‬وصحة‭ ‬ومأوى‭ ‬والحقوق‭ ‬البشرية‭ ‬الأخرى‭.‬

 

لذا،‭ ‬لابد‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬تنموية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنتاج‭ ‬والعمل‭ ‬وعدم‭ ‬تجاهل‭ ‬أو‭ ‬تهميش‭ ‬الآخر،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬نهجا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وحقوقيا‭ ‬يتصدى‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬الفقر‭... ‬بالتنمية‭ ‬الصحيحة‭ ‬والتعليم‭ ‬المُثمر‭ ‬والعلاج‭ ‬الصحي‭ ‬الفعال،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يُحقق‭ ‬للإنسان‭ ‬الحياة‭ ‬الآمنة‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬يتم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفقر‭.‬