أردوغان... وحرب أرمينيا وأذربيجان

| صالح القلاب

قد‭ ‬يكون‭ ‬محزناً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لغالبية‭ ‬الأتراك،‭ ‬أنْ‭ ‬تصبح‭ ‬تركيا‭ ‬ليس‭ ‬بماضيها‭ ‬وإنما‭ ‬بحاضرها‭ ‬دولة‭ ‬مثيرة‭ ‬للإشكالات‭ ‬والمشاكل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الملتهبة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتفجر‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬مفاجئة‭ ‬كقنبلة‭ ‬مدمرة‭ ‬وتصبح‭ ‬هناك‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬وربما‭ ‬عالمية‭ ‬أكثر‭ ‬تدميراً‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬إذْ‭ ‬إنّ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يفعله‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أنْ‭ ‬يوصف‭ ‬بأنه‭ ‬أفعال‭ ‬مثل‭ ‬أفعال‭ ‬أدولف‭ ‬هتلر‭ ‬وأفعال‭ ‬الذين‭ ‬أخذوا‭ ‬العالم‭ ‬بمعظمه‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬اللتين‭ ‬أغرقتا‭ ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬تقريباً‭ ‬بالدمار‭ ‬والخراب‭!‬

بقيت‭ ‬تركيا،‭ ‬بعدما‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬الامبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬كسيحة‭ ‬ومحطمة‭ ‬وكانت‭ ‬نهايتها‭ ‬مأساوية‭ ‬بعدما‭ ‬التهمتها‭ ‬نيران‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬صاعدة‭ ‬كدولة‭ ‬علمانية‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬خلصها‭ ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‭ ‬مما‭ ‬أصبحت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬وعجز‭ ‬و”رجعية”‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬وغدت‭ ‬درة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬وقوته‭ ‬الرئيسية‭ ‬المتخندقة‭ ‬وبكل‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬وحلف‭ ‬وارسو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الخصم‭ ‬المتفوق‭ ‬على‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬وإن‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬قبل‭ ‬إنهيار‭ ‬المنظومة‭ ‬الشيوعية‭. ‬

كان‭ ‬بإمكان‭ ‬تركيا‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬صعودها‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وضعها‭ ‬عليه‭ ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تبتل‭ ‬بهذا‭ ‬الرئيس،‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أرودوغان،‭ ‬الذي‭ ‬تدل‭ ‬مغامراته‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬مصاب‭ ‬بكل‭ ‬عقد‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬إيقاظ‭ ‬“عثمانية”‭ ‬تآكلت‭ ‬عظامها‭ ‬في‭ ‬قبرها‭ ‬السحيق‭ ‬الدارس‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الأعوام‭ ‬التي‭ ‬استجدت‭ ‬فيها‭ ‬معطيات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬“الدنيا”‭ ‬باتت‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬والحوْل‭ ‬والطول‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬والسؤال‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬عاقل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يفعله‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬ليعيد‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬أمجاد‭ ‬الامبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬آثار‭ ‬أقدام‭ ‬الجنود‭ ‬العثمانيين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬واضحة‭ ‬وظاهرة‭ ‬فيها،‭ ‬وهنا‭ ‬فإن‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬ينتمي‭ ‬إليهم‭ ‬وبدون‭ ‬أية‭ ‬مقدمات،‭ ‬قد‭ ‬حقنوه‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬السياسي‭ ‬وعلى‭ ‬أنه‭ ‬“أمير‭ ‬المؤمنين”‭ ‬وأن‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬بحره‭ ‬وأن‭ ‬جزيرة‭ ‬قبرص‭ ‬جزيرته‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬فيها‭ ‬آثار‭ ‬أقدام‭ ‬عثمانية‭. ‬وهكذا‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭ ‬“المعشعشة”‭... ‬فإنه‭ ‬بعدما‭ ‬أرسل‭ ‬سرايا‭ ‬قواته‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ ‬العراقية‭ ‬فإنه‭ ‬بادر‭ ‬إلى‭ ‬الانعطاف‭ ‬نحو‭ ‬أذربيجان‭ ‬وهو‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬“البلاد”‭ ‬كانت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬وأن‭ ‬حيدر‭ ‬علييف،‭ ‬والد‭ ‬“إلهام”‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬وأهم‭ ‬القادة‭ ‬الشيوعيين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تألق‭ ‬الدولة‭ ‬السوفياتية‭ ‬وأنه،‭ ‬أي‭ ‬“إلهام”،‭ ‬وحتى‭ ‬وإن‭ ‬تصاعدت‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬دولته‭ ‬وبين‭ ‬أرمينيا‭ ‬واضطر‭ ‬للاستنجاد‭ ‬بالجيش‭ ‬“العثماني”‭ ‬الأردوغاني‭ ‬فإنه‭ ‬بالنتيجة‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬نفسه‭ ‬وبلاده‭ ‬وشعبه‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬رجل‭ ‬بات‭ ‬يظن‭ ‬بالفعل‭ ‬أنه‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭. ‬“إيلاف”‭.‬