سوالف

الكبار باقون باختلاف مشاربهم ومدارسهم

| أسامة الماجد

دار‭ ‬حديث‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬فنان‭ ‬تشكيلي‭ ‬صديق،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يشكو‭ ‬حسب‭ ‬رأيه‭ ‬من‭ ‬الدخلاء‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬الذين‭ ‬تمددوا‭ ‬كالأخطبوط‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفنية‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬“لم‭ ‬يبين‭ ‬لي‭ ‬طبيعة‭ ‬التحكم”،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يلمح‭ ‬لمحاولات‭ ‬لطمس‭ ‬تاريخ‭ ‬الكبار‭ ‬وإرسال‭ ‬أعمالهم‭ ‬إلى‭ ‬المقابر‭ ‬كونهم‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬العتيق‭ ‬أو‭ ‬كالطيور‭ ‬المحنطة‭.‬

للأسف‭ ‬هناك‭ ‬حقيقة‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬إبعاد‭ ‬الكبار‭ ‬والرواد‭ ‬بمختلف‭ ‬الطرق،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬اللغة،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المحال،‭ ‬أن‭ ‬يكنس‭ ‬كل‭ ‬أسس‭ ‬الماضي‭ ‬وجذوره‭ ‬التي‭ ‬يرتكز‭ ‬عليها‭ ‬حاضره‭. ‬المنهج‭ ‬في‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬ينحو‭ ‬دائما‭ ‬لامتصاص‭ ‬الحاضر‭ ‬متخلصا‭ ‬منه‭ ‬دون‭ ‬ارتباط‭ ‬وثيق‭ ‬بالماضي،‭ ‬لكن‭ ‬الحال‭ ‬لیس‭ ‬كذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفنون‭ ‬واللغة،‭ ‬فبعض‭ ‬الفنون‭ ‬كالعمارة‭ ‬والخزف‭ ‬مثلا‭ ‬تفقد‭ ‬وظيفتها‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬وتبقى‭ ‬قيمتها‭ ‬الجمالية‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬الكامل‭ ‬كقصيدة‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬أو‭ ‬تمثال‭.‬

المعابد‭ ‬القديمة‭ ‬بقيت‭ ‬كأطلال‭ ‬يضيف‭ ‬إليها‭ ‬عامل‭ ‬الزمن‭ ‬الكثير،‭ ‬لكن‭ ‬الشعر‭ ‬والدراما‭ ‬والفلسفة‭ ‬القديمة‭ ‬والفن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خرائب،‭ ‬فأرسطو،‭ ‬مازال‭ ‬يحدد‭ ‬الفكر‭ ‬الحديث‭ ‬لحد‭ ‬ما،‭ ‬وأبيات‭ ‬الإلياذة‭ ‬مازالت‭ ‬تهزنا‭ ‬كما‭ ‬هزت‭ ‬الرجل‭ ‬اليوناني‭ ‬القديم،‭ ‬وتماثیل‭ ‬“نفرتيتي”‭ ‬الناقصة‭ ‬مازالت‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة،‭ ‬فمن‭ ‬مميزات‭ ‬الفن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬أبدية،‭ ‬عالم‭ ‬امرؤ‭ ‬القيس‭ ‬وليناردو‭ ‬وبتهوفن‭ ‬مازال‭ ‬يعيش‭ ‬بيننا‭ ‬ويحدد‭ ‬المفردات‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها‭ ‬في‭ ‬خلقنا‭ ‬الفني،‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة،‭ ‬الحضارة‭ ‬اليونانية،‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬بالحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬روما‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬والتاسع‭ ‬عشر‭ ‬كلها‭ ‬وغيرها‭ ‬تشكل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نحس‭ ‬وجود‭ ‬الفنان‭ ‬الحقيقي‭ ‬ووضعه‭ ‬الراهن‭.‬

الكبار‭ ‬باقون‭ ‬باختلاف‭ ‬مشاربهم‭ ‬ومدارسهم‭ ‬وتوجهاتهم،‭ ‬وعلى‭ ‬“الصغار”‭ ‬تناول‭ ‬أقراص‭ ‬النوم‭ ‬لأن‭ ‬جسمهم‭ ‬ضعيف‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬ومقارعة‭ ‬الكبار،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬اقتلاعهم‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬وأخذ‭ ‬مكانهم‭.‬