زبدة القول

من غرائب الاختلاف الثقافي

| د. بثينة خليفة قاسم

الكثير‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وبعضها،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الذهنية‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬الشعوب‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض‭ ‬وتتسبب‭ ‬في‭ ‬نفور‭ ‬أو‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬عنصرية‭ ‬يكون‭ ‬سببها‭ ‬أحيانا‭ ‬اختلاف‭ ‬الثقافات‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وبعضها،‭ ‬فهناك‭ ‬أمور‭ ‬طبيعية‭ ‬ومألوفة‭ ‬لدى‭ ‬شعوب‭ ‬معينة‭ ‬ولكنها‭ ‬لدى‭ ‬غيرها‭ ‬تكون‭ ‬شيئا‭ ‬مثيرا‭ ‬للدهشة‭ ‬أو‭ ‬السخرية‭.‬

جاءتني‭ ‬هذه‭ ‬الخاطرة‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬حكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬اغتصاب،‭ ‬وهذا‭ ‬خبر‭ ‬طبيعي‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬الجملة،‭ ‬ففي‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬يعد‭ ‬الاغتصاب‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬ربما‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬درجات‭ ‬هذا‭ ‬العقاب‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬لأخرى،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬القادمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬كعرب‭ ‬أو‭ ‬مسلمين‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬القضية‭ ‬وحيثياتها‭.‬

فكما‭ ‬ورد‭ ‬خلال‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬المرأة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬قد‭ ‬تراضيا‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقة‭ ‬جسدية‭ ‬بينهما،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬إكراه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة،‭ ‬لكن‭ ‬الرجل‭ ‬خالف‭ ‬شرطا‭ ‬معينا‭ ‬اشترطته‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭  ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الجسدية‭ ‬،‭ ‬لكنها‭ ‬اكتشفت‭ ‬بالصدفة‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬وهي‭ ‬تفتش‭ ‬في‭ ‬أشيائه‭ ‬مايثبت‭ ‬مخالفته‭ ‬لهذا‭ ‬الشرط‭   ‬واعتبرت‭ ‬ذلك‭ ‬خيانة‭ ‬لشرط‭ ‬اشترطته‭ ‬عليه‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬لها‭.‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬اعتبرها‭ ‬القاضي‭ ‬جريمة‭ ‬اغتصاب‭ ‬مضيفا‭ ‬لنا‭ ‬تعريفا‭ ‬إضافيا‭ ‬للاغتصاب‭.‬

الصدمة‭ ‬الأساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬القاضي‭ ‬لم‭ ‬ينظر‭ ‬للقضية‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أن‭ ‬الاثنين‭ ‬أقاما‭ ‬علاقة‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا،‭ ‬بل‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬عن‭ ‬هكذا‭ ‬أشياء‭ ‬بهذا‭ ‬التفصيل‭ ‬الصريح‭. ‬وزبدة‭ ‬القول‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬أن‭ ‬نعتنق‭ ‬ثقافة‭ ‬غيرنا‭ ‬أو‭ ‬ننصر‭ ‬ثقافة‭ ‬على‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬الزبدة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نراعي‭ ‬الاختلافات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬وفي‭ ‬فهم‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭.‬