ومن الحب ما يُسعِدُ

| د.حورية الديري

بدايتنا‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العبارة‭ ‬الشهيرة‭ ‬للشاعر‭ ‬العربي‭ ‬عبدالملك‭ ‬الأصمعي‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬“ومن‭ ‬الحب‭ ‬ما‭ ‬قتل”،‭ ‬والتي‭ ‬صرنا‭ ‬نسمعها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التعليقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بقصص‭ ‬الحب‭ ‬حتى‭ ‬زماننا‭ ‬هذا،‭ ‬لأنني‭ ‬حتمًا‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬النهايات‭ ‬الحزينة‭ ‬المؤلمة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬حقيقتها،‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬فيما‭ ‬نستخدم‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نعطي‭ ‬إيحاءات‭ ‬لحلول‭ ‬تجعل‭ ‬المواقف‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬وقصة‭ ‬الأصمعي‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬عبارته‭ ‬تعليقًا‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬لو‭ ‬تعلمون‭ ‬أحداثه‭ ‬لتوقفتم‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العبارات‭ ‬المتوارثة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الطرفة‭ ‬أو‭ ‬المزاح،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬عرفًا‭ ‬أو‭ ‬تقليدًا،‭ ‬ولسنا‭ ‬مضطرين‭ ‬أو‭ ‬مجبرين‭ ‬أصلاً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التداخل،‭ ‬والسبب‭ ‬ما‭ ‬يحدثه‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬والحدث‭ ‬ذاته،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬بصدد‭ ‬التعليق‭ ‬أو‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬فلنا‭ ‬خيارات‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬ما‭ ‬نشاء‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الأصمعي،‭ ‬وكما‭ ‬فعلت‭ ‬أنا‭ ‬لاختيار‭ ‬عنوان‭ ‬المقال‭ ‬اليوم،‭ ‬فالكلمة‭ ‬وحسن‭ ‬انتقائها‭ ‬يصنع‭ ‬فرقًا‭ ‬كبيرًا‭.‬

ولمن‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬الأصمعي‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬القصة‭ ‬أصلاً‭ ‬للمثل،‭ ‬عندما‭ ‬رد‭ ‬الأصمعي‭ ‬ببيت‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬إثر‭ ‬قراءته‭ ‬بيتا‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أحد‭ ‬العشاق‭ ‬على‭ ‬حجر‭ ‬قديم‭ ‬في‭ ‬البادية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يشكو‭ ‬حاله‭ ‬والهوى،‭ ‬فتبادلا‭ ‬الردود‭ ‬الشعرية‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الصخرة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يتجول‭ ‬كعادته‭ ‬وجد‭ ‬شابًا‭ ‬ميتًا‭ ‬ملقًا‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬عليه‭ ‬العاشق‭ ‬قبل‭ ‬مماته‭ ‬“سمعنا‭ ‬وأطعنا‭ ‬ثم‭ ‬متنا‭ ‬فبلغوا‭... ‬سلامي‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬بالوصل‭ ‬يمنع”،‭ ‬لهذا‭ ‬أطلق‭ ‬الأصمعي‭ ‬عبارة‭ ‬“ومن‭ ‬الحب‭ ‬ما‭ ‬قتل”‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬جاءت‭ ‬العبارة‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الحدث‭ ‬ذاته،‭ ‬بينما‭ ‬أرى‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬هجومًا‭ ‬على‭ ‬توارثها‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف،‭ ‬أننا‭ ‬ابتعدنا‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬وصرنا‭ ‬نعني‭ ‬باستخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬القتل‭ ‬خلافًا‭ ‬للموت،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬والمشاعر‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المبالغة،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يجعلنا‭ ‬عاجزين‭ ‬أمام‭ ‬إشهار‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للحدث،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬نربطها‭ ‬بالحدث‭ ‬الأوقع‭ ‬لتكون‭ ‬إرثا‭ ‬للزمن‭ ‬الأجمل،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬البادية‭ ‬جميلا،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬أبلغ‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬أسعد‭ ‬وفرة،‭ ‬أسعد‭ ‬حظًا،‭ ‬فالشاعر‭ ‬موجود‭ ‬والعاشق‭ ‬موجود‭ ‬والقصة‭ ‬تتكرر،‭ ‬وما‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬بلاغة‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬ذاته،‭ ‬وما‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬إلا‭ ‬مسرة‭.. ‬تضفي‭ ‬عليه‭ ‬رونقًا‭ ‬وسعادة‭.‬