ستة على ستة

ماكرون وأزمة الدين

| عطا السيد الشعراوي

رغم‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬لم‭ ‬يفوض‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون‭ ‬لتشخيص‭ ‬حالة‭ ‬دينهم‭ ‬وتقييم‭ ‬الإسلام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تطوع‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه‭ ‬بحديث‭ ‬لم‭ ‬يميز‭ ‬فيه‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬ليعلن‭ ‬اكتشافه‭ ‬الجديد‭ ‬بأن‭ ‬“الإسلام‭ ‬يمر‭ ‬بأزمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم”،‭ ‬وكأنه‭ ‬اعتنق‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬ولم‭ ‬تعجبه‭ ‬أخلاقه‭ ‬وتعاليمه‭ ‬ومبادئه‭ ‬وأركانه‭.‬

لو‭ ‬أن‭ ‬ماكرون‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لربما‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬سكتنا‭ ‬خجلاً‭ ‬من‭ ‬أوضاعنا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أيدنا‭ ‬تصريحاته‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬رغبتنا‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬للأحسن،‭ ‬لكن‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬كدين‭ ‬أظهر‭ ‬وكأن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الخصام‭ ‬“أو‭ ‬ربما‭ ‬العداء”‭ ‬الشخصي‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬ماكرون‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬خلاصته‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬توضيح‭ ‬لطبيعة‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬وصفة‭ ‬للعلاج‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬كباقي‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬دون‭ ‬أزمات‭. ‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحديث،‭ ‬رفض‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬انتقاد‭ ‬مجلة‭ ‬“شارلي‭ ‬إيبدو”‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بإعادة‭ ‬نشر‭ ‬الرسوم‭ ‬المسيئة‭ ‬للنبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والتي‭ ‬تستفز‭ ‬مشاعر‭ ‬جميع‭ ‬المسلمين‭ ‬بداعي‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬أن‭ ‬يحترموا‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وأن‭ ‬يتجنبوا‭ ‬حوار‭ ‬الكراهية،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الآن‭ ‬يدلي‭ ‬بكلام‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الغضب‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭.‬

حسبنا‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬ماكرون‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬الإسلام‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2017م‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬بيو‭ ‬الأميركي‭ ‬للأبحاث‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬والتي‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬ينمو‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬الأديان،‭ ‬متوقعة‭ ‬ارتفاع‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬العالمي‭ ‬بنسبة‭ ‬تناهز‭ ‬32‭ ‬بالمئة‭ ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬2060،‭ ‬وزيادة‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬وحدهم‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها‭ ‬بنسبة‭ ‬70‭ ‬بالمئة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فسره‭ ‬كونراد‭ ‬هاكيت،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬خصائص‭ ‬السكان‭ ‬الديموغرافية‭ ‬بالمركز‭ ‬بأسباب‭ ‬عدة‭ ‬أهمها‭ ‬الثبات‭ ‬العقائدي‭ ‬لأغلب‭ ‬المسلمين،‭ ‬فهم‭ ‬يولدون‭ ‬ويموتون‭ ‬على‭ ‬دينهم،‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬أتباع‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى‭ ‬الذين‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬معتقداتهم‭ ‬الدينية‭.‬