مُلتقطات

الـ “500” دينار طارت!

| د. جاسم المحاري

في‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬نشهد‭ ‬وتيرة‭ ‬التصاعد‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الصُعُد،‭ ‬فيما‭ ‬اللافت‭ ‬منها،‭ ‬ملازمة‭ ‬هذا‭ ‬التصاعد‭ ‬للنقلة‭ ‬النوعية‭ ‬في‭ ‬اختلاق‭ ‬الوسائل‭ ‬وابتداع‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬تُشجّع‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬أفضع‭ ‬الجرائم،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬“الابتزاز‭ ‬الإلكتروني”‭ ‬الذي‭ ‬برزت‭ ‬معالمه‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬تنامي‭ ‬أعداد‭ ‬مستخدمي‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬بين‭ ‬أوساط‭ ‬المجتمع‭ ‬ومتدرج‭ ‬فئاته،‭ ‬والتي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تبدو‭ ‬عليها‭ ‬صفتا‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬للضحايا‭ ‬لإجبارهم‭ - ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ - ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬لصالح‭ ‬المُبتزين‭ ‬الذين‭ ‬يكونون‭ ‬إما‭ ‬أشخاصاً‭ ‬حقيقيين‭ ‬أو‭ ‬اعتباريين،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تُسبق‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقة‭ ‬صداقة‭ ‬وهمية،‭ ‬يليها‭ ‬استدراج‭ ‬بمحتوى‭ ‬مسيء‭ ‬وفاضح‭ ‬عن‭ ‬الضحية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تهديد‭ ‬وابتزاز‭ ‬لها‭ ‬بإسناد‭ ‬أوامر‭ ‬مخلة‭ ‬بالشرف‭ ‬أو‭ ‬الأمانة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬بها‭ ‬“صاغرة”‭ ‬إلى‭ ‬تلبية‭ ‬مطالبهم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.‬

قد‭ ‬تبدو‭ ‬حالة‭ ‬المواطنة‭ ‬التي‭ ‬تواصلت‭ ‬مع‭ ‬الكاتب،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬الضحايا‭ ‬اللائي‭ ‬وقعن‭ ‬في‭ ‬“قبضة”‭ ‬عصابات‭ ‬الاحتيال‭ ‬التي‭ ‬تجردت‭ ‬من‭ ‬أدنى‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتعارفة،‭ ‬وتتلخص‭ ‬قصتها‭ ‬في‭ ‬تواصلها‭ ‬الاعتيادي‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬الذي‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬لحلّ‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬واجهتها،‭ ‬وطلب‭ ‬منها‭ ‬الموظف‭ ‬المختص‭ ‬ضرورة‭ ‬إرسال‭ ‬تفاصيل‭ ‬المشكلة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬“واتس‭ ‬أب”‭ ‬البنك،‭ ‬وبعد‭ ‬ثوان‭ ‬معدودة‭ ‬وردها‭ ‬اتصال‭ ‬من‭ ‬“موظف‭ ‬القسم‭ ‬التقني‭ ‬بالبنك”،‭ ‬الذي‭ ‬تعاطت‭ ‬معه‭ ‬بصورة‭ ‬طبيعية‭ ‬دون‭ ‬أنْ‭ ‬يُراودها‭ ‬شك‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬تتّبعها‭ ‬التعليمات‭ ‬التي‭ ‬أوضح‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬نوع‭ ‬المشكلة‭ ‬وحلّها‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إنجاز‭ ‬معاملاتها‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬بالصورة‭ ‬الصحيحة‭ ‬عبر‭ ‬الرسائل‭ ‬النصية‭ ‬القصيرة‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بمشكلتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكنْ‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬سحب‭ ‬مبلغ‭ ‬نقدي‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬دينار‭ ‬بحريني‭ ‬من‭ ‬حسابها‭ ‬البنكي‭! ‬وتضيف‭ ‬أنّها‭ ‬حاولت‭ ‬التواصل‭ ‬على‭ ‬رقم‭ ‬المتصل‭ ‬مباشرة‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭! ‬مكتفية‭ ‬بتقديم‭ ‬بلاغ‭ ‬لإدارة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ضد‭ ‬حادثة‭ ‬الاحتيال‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭.‬

نافلة‭:‬

بالرغم‭ ‬من‭ ‬سنّ‭ ‬القوانين‭ ‬وإقرار‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تُجرّم‭ ‬سلوكات‭ ‬الابتزاز‭ ‬والاحتيال‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الومضات‭ ‬الكهرومغناطيسية‭ ‬الافتراضي،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬تكرار‭ ‬حوادث‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬Cyber Crimes‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬وتصييرها‭ ‬ظاهرة‭ ‬متفشية‭ ‬أدى‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬تُهدد‭ ‬دعائم‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتُزعزع‭ ‬كيانها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الإجرام‭ ‬الذي‭ ‬يُرتكب‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬المعلوماتي‭ ‬الشاسع‭.‬