ثقافة العنف والاغتيالات والتصفيات الجسدية في العالم العربي

| عبدالنبي الشعلة

التصفيات‭ ‬الجسدية‭ ‬والاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬وسائل‭ ‬عنيفة‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الخصم‭ ‬الذي‭ ‬تتعارض‭ ‬أفكاره‭ ‬وتوجهاته‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬معينة،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭. ‬كما‭ ‬عُرِّفت‭ ‬التصفيات‭ ‬والاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬بأنها‭ ‬عمليات‭ ‬قتل‭ ‬متعمدة‭ ‬ومنظمة‭ ‬تستهدف‭ ‬أي‭ ‬شخصية‭ ‬مهمة‭ ‬ذات‭ ‬ثقل‭ ‬أو‭ ‬تأثير‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬عسكري‭ ‬أو‭ ‬قيادي،‭ ‬ويكون‭ ‬مرتكزها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬أسبابًا‭ ‬عقائدية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬انتقامية‭.‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬فإننا‭ ‬سنظل‭ ‬ندعو‭ ‬للسلم‭ ‬ولحل‭ ‬المنازعات‭ ‬والاختلافات‭ ‬السياسية‭ ‬وغيرها‭ ‬بالتفاهم‭ ‬والحوار،‭ ‬وبالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬وعبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقنوات‭ ‬الشرعية‭ ‬والدستورية،‭ ‬وسيبقى‭ ‬الأمل‭ ‬معقودًا‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬اليوم‭ ‬الواعي‭ ‬المتعلم،‭ ‬وعلى‭ ‬أجيال‭ ‬الغد‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬للتخلي‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬آفة‭ ‬أو‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬والتصفيات‭ ‬الجسدية‭ ‬والاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ابتلينا‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭.‬

ففي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬644م‭ ‬أغتيل‭ ‬الخليفة‭ ‬الثاني‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬وهو‭ ‬يصلي‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬الشخصين،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1330‭ ‬سنة‭ ‬أغتيل‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭.‬

وبعد‭ ‬اغتيال‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر،‭ ‬اغتيل‭ ‬الخليفة‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وبعده‭ ‬اغتيل‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬الكوفة‭ ‬بالعراق،‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الخلفاءالراشدين‭ ‬الأربعة‭ ‬تم‭ ‬اغتيالهم‭ ‬وتصفيتهم‭ ‬جسديًا،‭ ‬وبذلك‭ ‬فقد‭ ‬تلطخت‭ ‬أيدينا‭ ‬كعرب‭ ‬ومسلمين‭ ‬بالدماء‭ ‬والعنف‭ ‬والاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬منذ‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭.‬

فهل‭ ‬هي‭ ‬لعنة‭ ‬السماء‭ ‬وغضبها‭ ‬التي‭ ‬حاقت‭ ‬بنا‭ ‬فجعلت‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬خصوصًا‭ ‬والدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬فيها‭ ‬الاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬والتصفيات‭ ‬الجسدية؟

ففي‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1951،‭ ‬وعلى‭ ‬عتبات‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى،‭ ‬اغتيل‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬الأول‭ ‬ملك‭ ‬الأردن‭ ‬وهو‭ ‬متوجه‭ ‬لأداء‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬القدس،‭ ‬وكانت‭ ‬الذريعة‭ ‬هي‭ ‬منع‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬مما‭ ‬أشيع‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬القيام‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬منفصلة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬للأقدار‭ ‬وللأيام‭ ‬حكمها‭ ‬وحكمتها،‭ ‬فبعد‭ ‬43‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة،‭ ‬قام‭ ‬حفيده‭ ‬الملك‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬طلال‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بتوقيع‭ ‬“معاهدة‭ ‬وادي‭ ‬عربة”‭ ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1994،‭ ‬وكانت‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬اتفاقية‭ (‬كامب‭ ‬ديفيد‭) ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1978،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬قد‭ ‬اعترفوا‭ ‬بإسرائيل‭ ‬ووقعوا‭ ‬معها‭ ‬“اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬للسلام”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬وقعت‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬اتفاقيتي‭ ‬سلام‭ ‬وتعاون‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬فالرصاص‭ ‬والعنف‭ ‬والقتل‭ ‬والإرهاب‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬عرقلة‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬إيقاف‭ ‬قاطرة‭ ‬السلام‭.‬

أما‭ ‬الاغتيال‭ ‬الذي‭ ‬هز‭ ‬الأمتين‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬اغتيال‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬ثالث‭ ‬ملوك‭ ‬أرض‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬مساعد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬1975،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬بين‭ ‬حرسه‭ ‬وسط‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬وأرداه‭ ‬قتيلًا‭.‬

وقبل‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬اغتياله،‭ ‬وأثناء‭ ‬احتدام‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬وقيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بإنشاء‭ ‬جسر‭ ‬جوي‭ ‬أميركي‭ ‬مدعوم‭ ‬بجسر‭ ‬بحري‭ ‬لنقل‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الدبابات‭ ‬والصواريخ‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمعدات‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وتوفير‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬لها،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الكفاءة‭ ‬التسليحية‭ ‬والقتالية‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بشكل‭ ‬أخل‭ ‬بميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬وساعد‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬دحر‭ ‬القوات‭ ‬السورية‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬1967،‭ ‬ووقف‭ ‬زحف‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬سيناء،‭ ‬وإحداث‭ ‬ثغرة‭ ‬“الدفرسوار”‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لقناة‭ ‬السويس،‭ ‬ومحاصرة‭ ‬الجيش‭ ‬الثالث‭ ‬المصري،‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬قام‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬بوقف‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬عن‭ ‬أميركا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للضغط‭ ‬عليها‭ ‬للتوقف‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭.‬

وكان‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬مساعد‭ ‬قد‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬ليغتال‭ ‬عمه‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬عودته،‭ ‬ولم‭ ‬يحقق‭ ‬الجاني‭ ‬بفعلته‭ ‬المشينة‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إليه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرصاصات‭ ‬الثلاث‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬وقتلته‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬وسياسات‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬المؤيدة‭ ‬والمساندة‭ ‬والداعمة‭ ‬ماديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬ومعنويًا‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وللشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وقضيته‭ ‬العادلة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بل‭ ‬زادتها‭ ‬صلابة‭ ‬وتوسعا‭.‬

ومن‭ ‬سخرية‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬يوم‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬اغتيال‭ ‬بطل‭ ‬الانتصار‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1981‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بحادثة‭ ‬المنصة؛‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬واقفا‭ ‬في‭ ‬استعراض‭ ‬عسكري‭ ‬احتفالًا‭ ‬بالانتصار‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭.‬

وقد‭ ‬تمت‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬انتقامًا‭ ‬من‭ ‬السادات‭ ‬لتوقيعه‭ ‬إتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1978،‭ ‬وبهدف‭ ‬عرقلة‭ ‬خطة‭ ‬السلام‭ ‬وإجهاضها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجناة‭ ‬ومَن‭ ‬وراءهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬هنا‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافهم‭ ‬وبقيت‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬صامدة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

وفي‭ ‬يوم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬الحب،‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬2005‭ ‬فُجع‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬والأمة‭ ‬العربية‭ ‬والأسرة‭ ‬الدولية‭ ‬باغتيال

رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬اللبناني‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭.‬

وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬اسم‭ ‬الحريري‭ ‬بمرحلة‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬لبنان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬15‭ ‬عاما،‭ ‬وجاء‭ ‬اغتياله‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حرجة‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬توتر‭ ‬وتأزم‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الحريري‭ ‬وأنصاره‭ ‬بالنظام‭ ‬السوري،‭ ‬ومطالبتهم‭ ‬السوريين‭ ‬بتخفيف‭ ‬قبضتهم‭ ‬وانهاء‭ ‬تحكمهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المسارات‭ ‬والمفاصل‭ ‬السياسية‭ ‬اللبنانية؛‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مُعَززًا‭ ‬بوجود‭ ‬عسكري‭ ‬للجيش‭ ‬السوري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬اللبنانية،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كان‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يُحكم‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬وواقعا‭ ‬تحت‭ ‬وصايتها‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ .‬

وبقرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬وبعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬الحريري،‭ ‬شُكلت‭ ‬محكمة‭ ‬دولية‭ ‬خاصة‭ ‬بهذه‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ (‬حزب‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬تمت‭ ‬محاكمتهم‭ ‬غيابيا‭.‬

وبعد‭ ‬نحو‭ ‬13‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬تأسيسها،‭ ‬و6‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬المداولات،‭ ‬وبتكلفة‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ (‬دفع‭ ‬لبنان‭ ‬الغارق‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭)‬،‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي‭ ‬حكمها‭ ‬بإدانة‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬المتهمين،‭ ‬وبرأت‭ ‬ساحة‭ ‬الثلاثة‭ ‬الآخرين،‭ ‬ونفت‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬تورط‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬أو‭ ‬سوريا‭  ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭.‬

وبهذا‭ ‬أسدل‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬جريمة‭ ‬اغتيال‭ ‬الحريري‭ ‬وتصفيته‭ ‬كخصم‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مناوئيه‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬أدت‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬خلاف‭ ‬ما‭ ‬ابتغاه‭ ‬الجناة؛‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬تصفية‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬السوري‭ ‬وتقليص‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

إن‭ ‬المساحة‭ ‬المتاحة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬لا‭ ‬تتسع‭ ‬للتوقف‭ ‬عند‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬العنف‭ ‬والاغتيالات‭ ‬السياسية‭ ‬البشعة‭ ‬والتصفيات‭ ‬الجسدية‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬زعماء‭ ‬ومفكرين‭ ‬وقادة‭ ‬سياسيين‭ ‬وعسكريين‭ ‬عرب‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث؛‭ ‬ولكننا‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬المرور‭ ‬بشكل‭ ‬خاطف‭ ‬على‭ ‬بعضها؛‭ ‬مثل‭ ‬اغتيال‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬الثاني‭ ‬ملك‭ ‬العراق‭ ‬وأفراد‭ ‬أسرته‭ ‬ورموز‭ ‬حكمه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬جرائم‭ ‬الاغتيال‭ ‬وحشية‭ ‬وهمجية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬ضمن‭ ‬أحداث‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬للعام‭ ‬1958،‭ ‬ثم‭ ‬لاحقًا‭ ‬اغتيال‭ ‬موجه‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬و‭ ‬قائد‭ ‬الانقلاب‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1963،‭ ‬لتستمر‭ ‬سلسلة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬والانقلابات‭ ‬والإعدامات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الجريح‭.‬

وقد‭ ‬اغتيل‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬أديب‭ ‬الشيشكلي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1964،‭ ‬والرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬بشير‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1982‭, ‬ورينيه‭ ‬معوض‭ ‬رئيس‭ ‬لبناني‭ ‬آخر‭ ‬اغتيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1989،‭ ‬والرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬محمد‭ ‬بوضياف‭ ‬الذي‭ ‬اغتيل‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أحد‭ ‬حراسه‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬1992،‭ ‬واثنين‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬اليمن‭ ‬الشمالي‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحمدي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1977،‭ ‬وأحمد‭ ‬الغشمي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1978،‭ ‬وعلي‭ ‬عبدالله‭ ‬صالح‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اليمنية‭ (‬الموحدة‭) ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬بعد‭ ‬تنحيه‭ ‬عن‭ ‬الحكم،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬الرئيس‭ ‬الليبي‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭.‬

وليس‭ ‬بوسعنا،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحيز،‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬اغتيالهم‭ ‬وتصفيتهم‭ ‬وسنخصص‭ ‬لهم‭ ‬وقفات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬