زبدة القول

حرب أكتوبر في الذكرى الـ 47

| د. بثينة خليفة قاسم

47‭ ‬عاما‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬اتحد‭ ‬فيه‭ ‬العرب‭ ‬وتحقق‭ ‬لهم‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يوما‭ ‬عربيا‭ ‬بامتياز،‭ ‬انطلقت‭ ‬جحافل‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬العظيم‭ ‬لكي‭ ‬تغير‭ ‬التاريخ‭ ‬وتغير‭ ‬التوازنات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬وتجعل‭ ‬العالم‭ ‬يفتح‭ ‬آذانه‭ ‬للعرب‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

كان‭ ‬يوما‭ ‬فارقا‭ ‬وضروريا‭ ‬وكانت‭ ‬الحرب‭ ‬نفسها‭ ‬ضرورية،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬الحرب‭ ‬ستحل‭ ‬المشكلة‭ ‬برمتها،‭ ‬فالحرب‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬المشاكل‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تصنع‭ ‬وضعا‭ ‬جديدا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل‭.‬

واليوم‭ ‬بعد‭ ‬47‭ ‬عاما،‭ ‬النهر‭ ‬جرت‭ ‬فيه‭ ‬مياه‭ ‬وتغيرت‭ ‬خرائط‭ ‬كثيرة‭ ‬وضاعت‭ ‬جيوش‭ ‬وتفككت‭ ‬دول‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأمة‭ ‬تتلقى‭ ‬الطعنات‭ ‬من‭ ‬داخلها،‭ ‬ودخلت‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬حالة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬منذ‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬فقد‭ ‬شجعت‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬الحالية‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العربدة‭ ‬والسعي‭ ‬لالتهام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬التهامه‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭.‬

والشيء‭ ‬الذي‭ ‬يدمي‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدولتين‭ ‬“الفارسية‭ ‬والتركية”‭ ‬تستخدمان‭ ‬عربا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافهما‭ ‬في‭ ‬التهام‭ ‬أرض‭ ‬العرب،‭ ‬بل‭ ‬تستخدمان‭ ‬المال‭ ‬العربي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف،‭ ‬فجنود‭ ‬سوريون‭ ‬عرب‭ ‬يتولون‭ ‬تدمير‭ ‬ليبيا‭ ‬العربية‭ ‬باستخدام‭ ‬المال‭ ‬القطري‭ ‬لصالح‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنفق‭ ‬مالا‭ ‬ولا‭ ‬دما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعركة‭! ‬وهناك‭ ‬عرب،‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬ملامحهم‭ ‬ولغتهم،‭ ‬يتولون‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬خدمة‭ ‬للدولة‭ ‬الفارسية‭! ‬وهناك‭ ‬عرب‭ ‬مسلمون‭ ‬يحاولون‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬المصري‭ ‬صانع‭ ‬النصر،‭ ‬ويقومون‭ ‬بذلك‭ ‬أيضا‭ ‬باستخدام‭ ‬المال‭ ‬القطري،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬أعجب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الأمة؟

 

الغريب‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يستنكر‭ ‬البعض‭ ‬قيام‭ ‬البحرين‭ ‬والإمارات‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬حتمته‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬الأمة،‭ ‬لكن‭ ‬الأشد‭ ‬غرابة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬يعيثون‭ ‬فسادا‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الأمة‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬انتقادا‭ ‬للجوء‭ ‬قيادتنا‭ ‬الحكيمة‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬السلام‭! ‬الأشد‭ ‬غرابة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وقطر‭ ‬تتولى‭ ‬تخريب‭ ‬أمة‭ ‬برمتها‭ ‬وتبكي‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭.‬