ومضة قلم

شبابنا والإبداع الروائي

| محمد المحفوظ

مخطئ‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أنّ‭ ‬بحار‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬باتت‭ ‬شحيحة،‭ ‬فالأكيد‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ثرية‭ ‬وواعدة‭ ‬ومغرية‭ ‬لاقتحامها،‭ ‬الموهوبون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الفكر‭ ‬والإبداع‭ ‬في‭ ‬مملكتنا‭ ‬يؤكدون‭ ‬حضورهم‭ ‬عبر‭ ‬مجالات‭ ‬الإبداع‭ ‬المتعددة‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬ويملأون‭ ‬سماواتنا‭ ‬بالمدهش‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬الفن‭ ‬والإبداع‭.‬

في‭ ‬الأيام‭ ‬الفائتة‭ ‬فاجأنا‭ ‬أحد‭ ‬الروائيين‭ ‬الشباب،‭ ‬وهو‭ ‬ماهر‭ ‬عباس،‭ ‬بعمل‭ ‬روائي‭ ‬جميل‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬“العربانة”،‭ ‬عنوان‭ ‬الرواية‭ ‬يحمل‭ ‬دلالة‭ ‬رمزية‭ ‬بوصفه‭ ‬متجذرا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬البحرينية‭ ‬كون‭ ‬“العربانة”‭ ‬وسيلة‭ ‬للرزق‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ممن‭ ‬ينتمون‭ ‬للطبقة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬خصوصا‭ ‬لمن‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬العاشرة‭ ‬والخامسة‭ ‬عشرة،‭ ‬وعبر‭ ‬عمله‭ ‬الأول‭ ‬جمع‭ ‬ماهر‭ ‬عباس‭ ‬بين‭ ‬الموهبة‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بينهما‭ ‬لمن‭ ‬يقتحم‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية،‭ ‬فالموهبة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يسندها‭ ‬الاجتهاد‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬المعمقة‭ ‬والاطلاع‭ ‬الواسع،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬توفر‭ ‬عليه‭ ‬الكاتب‭.‬

من‭ ‬يسبر‭ ‬غور‭ ‬العمل‭ ‬الروائي‭ ‬“العربانة”‭ ‬بوسعه‭ ‬اعتبارها‭ ‬وثيقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عملا‭ ‬روائيا‭.. ‬إنها‭ ‬أشبه‭ ‬بالسيرة‭ ‬الذاتية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬اعتمد‭ ‬سرد‭ ‬التفاصيل‭ ‬بنمط‭ ‬اليوميات،‭ ‬ووثق‭ ‬عبرها‭ ‬حياة‭ ‬إنسان‭ ‬القرية‭ ‬بهمومه‭ ‬وآلامه‭ ‬ومكابداته‭ ‬وظروف‭ ‬عيشه‭ ‬القاسية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬كما‭ ‬عالج‭ ‬الروائي‭ ‬حياة‭ ‬البطل‭ ‬عباس‭ ‬منذ‭ ‬نشأته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أسرة‭ ‬مفككة‭ ‬حيث‭ ‬الأب‭ ‬المدمن‭ ‬والأم‭ ‬التي‭ ‬تنهض‭ ‬بجميع‭ ‬أعباء‭ ‬الأسرة‭. ‬اعتمد‭ ‬الروائي‭ ‬ضمير‭ ‬المتكلم‭ ‬وهو‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬ينتهجه‭ ‬كتّاب‭ ‬السير‭ ‬الذاتية،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬استنطق‭ ‬الضمائر‭ ‬الأخرى‭ ‬كالأم‭ ‬والجدة‭ ‬والخال‭. ‬

ورغم‭ ‬أنّ‭ ‬الرواية‭ ‬تبدو‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬البساطة،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الذي‭ ‬يمعن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬يجد‭ ‬أنها‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬متعددة،‭ ‬حيث‭ ‬مزج‭ ‬الواقع‭ ‬بالخيال‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بمكر‭ ‬الخيال‭ ‬الروائي‭.. ‬السرد‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬المتعة‭ ‬والتشويق‭ ‬لشاب‭ ‬مكافح‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬لقدره‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬وحده‭ ‬كافيا‭ ‬ليجعل‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬متميزا‭ ‬ويحقق‭ ‬الهدف‭ ‬المرجو‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬واستطاع‭ ‬الروائي‭ ‬ماهر‭ ‬عباس‭ ‬بفنية‭ ‬عالية‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬مشاركته‭ ‬معاناته‭ ‬وحزنه‭ ‬وانتصاراته‭ ‬وهزائمه‭ ‬وكفاحه‭ ‬المرير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬ويبقى‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الرواية‭ ‬جديرة‭ ‬بالقراءة‭.‬