السلام بين السياسة والدين

| د. صباح خليفة هجرس

مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬مبادرة‭ ‬سياسية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بأثر‭ ‬سياسي‭ ‬لدولة‭ ‬لها‭ ‬سيادة‭ ‬ولها‭ ‬رؤيتها‭ ‬وقراراتها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فالسياسة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬التفاوض‭ ‬والمساومة،‭ ‬وأينما‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السياسي‭ ‬فإن‭ ‬الفهم‭ ‬المبدئي‭ ‬للبنى‭ ‬السياسية‭ ‬المساومة‭ ‬يتأثر‭ ‬وتكون‭ ‬العلاقة‭ ‬السياسية‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر‭.‬

هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬تولدت‭ ‬بسبب‭ ‬ممارسة‭ ‬السياسة‭ ‬ضمن‭ ‬الإطار‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬وظفت‭ ‬فيه‭ ‬الشعارات‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفرق‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬أضعفت‭ ‬الدول‭ ‬ومثلت‭ ‬فرصا‭ ‬لوصول‭ ‬النخب‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬المتصارعة،‭ ‬فكانت‭ ‬سببا‭ ‬لنشوء‭ ‬فكرة‭ ‬العلمانية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬“فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة”‭.‬

الدين‭ ‬نظام‭ ‬عقائدي‭ ‬يمثله‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬وأتباعه‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬أداة‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬تعبئة‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬العنف‭ ‬والفتن،‭ ‬ودرا‭ ‬للفتن‭ ‬أجمع‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬والجماعة‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬طاعة‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ ‬والتحكيم‭ ‬لحكم‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭. ‬إن‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح‭ ‬للآية‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالي‭ ‬“أَطِيعُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَأَطِيعُوا‭ ‬الرَّسُولَ‭ ‬وَأُولِي‭ ‬الْأَمْرِ‭ ‬مِنْكُمْ”‭ (‬النساء‭:‬59‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬يقصد‭ ‬بأولي‭ ‬الأمر‭ ‬أهل‭ ‬الفقه‭ ‬والدين‭ ‬والعلماء‭ ‬والأمراء،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عهدنا‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬وأهل‭ ‬الفكر‭ ‬والإعلام،‭ ‬فأية‭ ‬محاولة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الحاكم‭ ‬هو‭ ‬أعلم‭ ‬بحال‭ ‬ومصالح‭ ‬العباد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬ومستشاروه‭ ‬الدراية‭ ‬والبيان‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬فهناك‭ ‬قوانين‭ ‬وأنظمة‭ ‬دولية‭ ‬والتزامات‭ ‬وقرارات‭ ‬مصيرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لرجل‭ ‬الدين‭ ‬الخوض‭ ‬فيها‭ ‬لقلة‭ ‬علمه‭ ‬وتخصصه‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭.‬

 

يمكن‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬العلمانية‭ ‬والنظر‭ ‬إليها‭ ‬بنظرة‭ ‬إيجابية،‭ ‬نحن‭ ‬نمارس‭ ‬العلمانية‭ ‬بقصد‭ ‬ودون‭ ‬قصد‭.. ‬إن‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬شأن‭ ‬سياسي‭ ‬استراتيجي‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬خروجا‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬الدين،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬والمشورة،‭ ‬وفيها‭ ‬مصلحة‭ ‬للعباد‭ ‬والأوطان‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عنها‭.‬