الحكمة والخبرة تلتقيان في بندر بن سلطان

| مؤنس المردي

عندما‭ ‬يتحدّث‭ ‬رجل‭ ‬بقامة‭ ‬الأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬بما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كونه‭ ‬سفيرا‭ ‬سابقا‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬ولأكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ (‬1983‭ - ‬2005‭)‬،‭ ‬وبما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬أمنية‭ ‬اكتسبها‭ ‬بشغله‭ ‬بين‭ ‬العامين‭ ‬2012‭ ‬و2014‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الاستخبارات‭ ‬لدولة‭ ‬بحجم‭ ‬وثقل‭ ‬السعودية،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬يكون‭ ‬جديرًا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬والمتابعة؛‭ ‬لأنه‭ ‬سيكون‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ثريًّا‭ ‬وكاشفًا‭ ‬للحقائق‭ ‬الخافية‭ ‬عن‭ ‬كثيرين‭ ‬ومحمّلًا‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭.‬

وحين‭ ‬يكون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬مصيرية‭ ‬كالقضية‭ ‬الفسلطينية‭ ‬بما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬عربي‭ ‬ومسلم،‭ ‬فإن‭ ‬متابعته‭ ‬تكون‭ ‬أوجب،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬وبحكم‭ ‬عمله‭ ‬كان‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬صناعة‭ ‬واتخاذ‭ ‬أهم‭ ‬قرارات‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وهو‭ ‬كنز‭ ‬معلومات‭ ‬غير‭ ‬متاحة‭ ‬للآخرين‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مناصبهم‭ ‬ومسؤولياتهم‭.‬

وبالفعل‭ ‬جاء‭ ‬حديث‭ ‬الأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬لقناة‭ ‬العربية‭ ‬مساء‭ ‬الإثنين‭ ‬عن‭ ‬القيادات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتاريخها‭ ‬متفرّدًا،‭ ‬وكاشفًا‭ ‬لحقائق،‭ ‬وناسفًا‭ ‬لمزاعم‭ ‬باطلة‭ ‬وشعارات‭ ‬فارغة،‭ ‬ظلّت‭ ‬ترددها‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬لسنوات،‭ ‬وواضعًا‭ ‬لمعادلات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬درسًا‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬للأجيال‭.‬

القيادات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عهدها‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطات‭ ‬النزاع‭ ‬الفسلطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬إنجاز‭ ‬يحسب‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وكل‭ ‬خطوة‭ ‬تقربنا‭ ‬من‭ ‬الحل،‭ ‬تصاب‭ ‬بالتهور‭ ‬والرعونة‭ ‬في‭ ‬التصرفات‭ ‬والتصريحات‭ ‬فتكشف‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العورات،‭ ‬وتعطي‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬القناعات‭ ‬السلبية‭ ‬عنها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬تلك‭ ‬القيادات‭ ‬بهجومها‭ ‬المرفوض‭ ‬ومواقفها‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭ ‬وإساءاتها‭ ‬لدول‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬ولم‭ ‬تقدم‭ ‬إلا‭ ‬الخير‭ ‬والعون‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الشقيقة،‭ ‬ولتثبت‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬الأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬حواره‭ ‬أن‭ ‬“القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬وقضية‭ ‬عادلة،‭ ‬لكن‭ ‬محاميها‭ ‬فاشلون”‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬القيادات‭ ‬الفسلطينية‭ ‬هو‭ ‬فشل‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد،‭ ‬فهي‭ ‬فشلت‭ ‬أولًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ممثلة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الصابر‭ ‬وأن‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬طموحاته‭ ‬وتستجيب‭ ‬لتطلعاته‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للمساومة‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭ ‬عنها‭ ‬والتفريط‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬فشلت‭ ‬ثانيًا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الكافية‭ ‬والوطنية‭ ‬اللازمة،‭ ‬فكانت‭ ‬ـ‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬ـ‭ ‬الانقسامات‭ ‬والتوترات‭ ‬هي‭ ‬السمة‭ ‬البارزة‭ ‬للعلاقات‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬القيادات‭ ‬نفسها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬ثالثًا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمنطق‭ ‬العصر‭ ‬ومعطياته‭ ‬وأدواته‭ ‬وتحجرت‭ ‬في‭ ‬أفكارها‭ ‬وسياساتها‭ ‬فأضرت‭ ‬القضية‭ ‬ولم‭ ‬تخدمها،‭ ‬وفشلت‭ ‬رابعًا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأشقاء‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يبخلوا‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتوا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وإمكانات،‭ ‬ويكفينا‭ ‬هنا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القيادات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬المستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والتي‭ ‬وقعت‭ ‬قبل‭ ‬عقود،‭ ‬وباتت‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬الملجأ‭ ‬الأول‭ ‬لهذه‭ ‬القيادات‭ ‬لحل‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬خلافات‭ ‬وتهدئة‭ ‬التوتر‭ ‬والتصعيد‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والتخفيف‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفسلطيني‭ ‬الشقيق‭.‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حديث‭ ‬الأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬بداية‭ ‬المراجعة‭ ‬للقيادات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬وتصريحاتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬لا‭ ‬لأجل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك؛‭ ‬بل‭ ‬لأجل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتوقف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬المتاجرة‭ ‬بتلك‭ ‬القضية‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬والثابتة‭ ‬بمكانتها‭ ‬والسامية‭ ‬بعدالتها،‭ ‬وأن‭ ‬ينحازوا‭ ‬للجانب‭ ‬الصحيح‭ ‬في‭ ‬المعادلة،‭ ‬ويدعموا‭ ‬ويتعاونوا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬عربي‭ ‬يخدم‭ ‬القضية‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يهاجموا‭ ‬ويسيئوا‭ ‬للقيادات‭ ‬والشعوب،‭ ‬وينساقوا‭ ‬دون‭ ‬فكر‭ ‬أو‭ ‬وعي‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندات‭ ‬خبيثة‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬الضرر‭ ‬الكثير‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعلى‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬

‭ ‬وختامًا‭ ‬نقول،‭ ‬إنه‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬يتكشف‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬تظهر‭ ‬المواقف‭ ‬المتخاذلة‭ ‬للقيادات‭ ‬الفسلطينية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يزعزع‭ ‬أبدًا‭ ‬إيماننا‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬عربية‭ ‬مستقلة‭ ‬واستعادة‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭ ‬كافة،‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬له‭ ‬القوانين‭ ‬والمرجعيات‭ ‬الدولية‭.‬