السلام والتعاون بثقة وعزيمة وبلا خوف أو وجل

| عبدالنبي الشعلة

القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ستبقى‭ ‬مستقرة‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬ووجدان‭ ‬شعوب‭ ‬وقادة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬وسيظل‭ ‬مصير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المنكوب‭ ‬ومعاناته‭ ‬هَمًّا‭ ‬جاثمًا‭ ‬على‭ ‬صدورهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬حقوقه‭ ‬المسلوبة‭ ‬بموجب‭ ‬القرارات‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬وضمن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬المبادرة‭ ‬العربية،‭ ‬هذه‭ ‬قناعات‭ ‬ومسلمات‭ ‬راسخة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬للمتاجرة‭ ‬ولا‭ ‬للمساومات‭ ‬والمزايدات‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬وتحقيقا‭ ‬لمصالحنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬ودعما‭ ‬لقضية‭ ‬أشقائنا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقتحم‭ ‬ميادين‭ ‬السلام‭ ‬والتعاون‭ ‬وأن‭ ‬نكثف‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬وجرأة‭ ‬وشجاعة‭ ‬وثقة،‭ ‬وبدون‭ ‬وجل‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬مما‭ ‬يروج‭ ‬له‭ ‬البعض‭ ‬بالتهويل‭ ‬والتضخيم‭ ‬من‭ ‬نوايا‭ ‬إسرائيل‭ ‬العدوانية‭ ‬وأطماعها‭ ‬التوسعية‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬الخليجية،‭ ‬وخططها‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬برمته‭.‬

إن‭ ‬الصهاينة‭ ‬أو‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أو‭ ‬اليهود‭ ‬عمومًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهم،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مقدورهم‭ ‬أو‭ ‬طاقتهم‭ ‬أن‭ ‬يشكلوا‭ ‬ذلك‭ ‬الخطر‭ ‬الداهم‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يهدد‭ ‬هويتنا‭ ‬وعقيدتنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وتاريخنا‭ ‬وحضارتنا‭ ‬وتراثنا‭ ‬واقتصادنا‭ ‬وثرواتنا‭ ‬واستقلالنا‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضينا‭ ‬وسيادة‭ ‬أوطاننا،‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يحذرنا‭ ‬منه‭ ‬البعض‭.‬

إن‭ ‬العدد‭ ‬الإجمالي‭ ‬لسكان‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬9‭ ‬ملايين،‭ ‬منهم‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬فقط‭ ‬يهود،‭ ‬ومليونان‭ ‬عرب‭ ‬مسلمون‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وإن‭ ‬العدد‭ ‬الكلي‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بالكاد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬13‭ ‬مليون،‭ ‬وإذا‭ ‬افترضنا‭ ‬جدلًا‭ ‬أنهم‭ ‬جميعًا‭ ‬صهيونيون،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الصهاينة‭ ‬أن‭ ‬يتحكموا‭ ‬ويهددوا‭ ‬مصير‭ ‬وتاريخ‭ ‬واقتصاد‭ ‬وثقافة‭ ‬وعقيدة‭ ‬1‭,‬7‭ ‬مليار‭ ‬مسلم‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬عربي‭.‬

ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ترعبنا‭ ‬أو‭ ‬تخيفنا‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬نصدق‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬نستمع‭ ‬لمن‭ ‬يردد‭ ‬الخرافة‭ ‬المتداولة‭ ‬أو‭ ‬الأسطورة‭ ‬التوراتية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حدود‭ ‬إسرائيل‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬الفرات‭ ‬إلى‭ ‬النيل،‭ ‬اليهود‭ ‬أنفسهم‭ ‬لا‭ ‬يصدقونها‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها،‭ ‬وإن‭ ‬صدقها‭ ‬بعضهم،‭ ‬فإن‭ ‬جميعهم‭ ‬يدركون‭ ‬عدم‭ ‬استطاعتهم‭ ‬تحقيقها،‭ ‬واليهود‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬ولا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬أمجادهم‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬ولا‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السعودية‭ ‬ضمن‭ ‬خطتهم‭ ‬المزعومة‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬نجران‭ ‬أو‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬لاستعادة‭ ‬حصون‭ ‬وأحياء‭ ‬ومزارع‭ ‬أجدادهم‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬بني‭ ‬قينقاع‭ ‬وبني‭ ‬النضير‭ ‬وبني‭ ‬قريظة‭ ‬اليهودية‭ ‬الذين‭ ‬أبعدوا‭ ‬منها‭ ‬عند‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬الإسلام‭.‬

وليس‭ ‬صحيحا‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أطماع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬مدينة‭ ‬اسمها‭ ‬“عبري”‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الظاهرة‭ ‬العمانية‭.‬

وللدلالة‭ ‬والتوضيح‭ ‬لنتوقف‭ ‬عند‭ ‬التجربة‭ ‬المصرية،‭ ‬فلليهود‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬جذور‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬الفراعنة،‭ ‬حيث‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬نبيهم‭ ‬ونبينا‭ ‬موسى‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فكانت‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬الوطن‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬نشأت‭ ‬فيه‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية،‭ ‬وأصبح‭ ‬وجودهم‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وفي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬ألفا،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الطوائف‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وأكثرها‭ ‬نفوذا‭ ‬وانفتاحا‭ ‬ومشاركة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬فهل‭ ‬شكلوا‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬أو‭ ‬تهديد‭ ‬أو‭ ‬أضروا‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتراث‭ ‬المصري‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬العقيدة‭ ‬أو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬مصر؟‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الصحيح؟‭ ‬وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬رحلوا‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬ترحيلهم‭ ‬جميعًا‭ ‬خلال‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬ويسر‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يبدوا‭ ‬منهم‭ ‬أي‭ ‬معارضة‭ ‬أو‭ ‬مقاومة،‭ ‬واليوم‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬منهم‭ ‬سوى‭ ‬6‭ ‬أفراد‭. ‬وقد‭ ‬مضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬42‭ ‬عاما‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬مصر‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬ولم‭ ‬نرَ‭ ‬أو‭ ‬نسمع‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬اعتدت‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬أو‭ ‬احتلت‭ ‬شبرا‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬أو‭ ‬حاولت‭ ‬بسط‭ ‬نفوذها‭ ‬عليها‭.‬

إن‭ ‬الذين‭ ‬يروجون‭ ‬ويرددون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأقاويل،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نواياهم‭ ‬وأهدافهم،‭ ‬إنما‭ ‬يعطون‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬واليهود‭ ‬حجما‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمهم،‭ ‬ووزنًا‭ ‬أثقل‭ ‬من‭ ‬وزنهم‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ويستصغرون‭ ‬شأن‭ ‬أمتهم‭ ‬ويعملون‭ ‬على‭ ‬تثبيط‭ ‬عزائمها،‭ ‬ويحاولون‭ ‬تبرير‭ ‬إخفاقاتهم‭ ‬وفشلهم‭ ‬وهزائمهم‭.‬

إننا‭ ‬جميعًا‭ ‬ندرك،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أصبحت‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬جدًا،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الخارقة‭ ‬والباهرة،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنجز‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬والأطماع‭ ‬التي‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬البعض‭ ‬لإخافتنا‭ ‬وترويعنا،‭ ‬فهي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التوسع‭ ‬المزعوم‭. ‬وفي‭ ‬نسخة‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬السنوية‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬جامعة‭ ‬بنسلفانيا‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬عن‭ ‬أقوى‭ ‬80‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفقًا‭ ‬لفحص‭ ‬معطيات‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والدفاع‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وبعد‭ ‬استطلاع‭ ‬آراء‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬المتخصصين‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬جاءت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثامنة،‭ ‬تلتها‭ ‬مباشرة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وجاءت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬11؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬دولتين‭ ‬خليجيتين‭ ‬مجتمعتين‭ ‬تصبحان‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭.‬

وتاريخيًا،‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬بأن‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬اليهود‭ ‬لم‭ ‬يُعرفوا‭ ‬ببسالتهم‭ ‬أو‭ ‬شجاعتهم‭ ‬الخارقة،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬محاربين‭ ‬أقوياء‭ ‬أشداء،‭ ‬أو‭ ‬غزاة‭ ‬فاتحين‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬قصيرة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬فقد‭ ‬عاشوا‭ ‬ضعفاء‭ ‬خانعين‭ ‬مضطهدين‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخهم‭ ‬الطويل،‭ ‬فحسب‭ ‬السرد‭ ‬القرآني‭ ‬والتوراتي‭ ‬كان‭ ‬اليهود‭ ‬عبيدًا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬الفرعونية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أخرجهم‭ ‬النبي‭ ‬موسى‭ ‬منها‭. ‬وفي‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة‭ ‬تاهوا‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬سيناء،‭ ‬وعندما‭ ‬وصلوا‭ ‬فلسطين‭ ‬وأقاموا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬فيها‭ ‬ممالكهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬للغزو‭ ‬والهجمات‭ ‬والتنكيل‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الغزاة‭ ‬من‭ ‬قدماء‭ ‬المصريين‭ ‬والآشوريين‭ ‬الذين‭ ‬شردوهم‭ ‬ودمروا‭ ‬مدنهم‭. ‬ثم‭ ‬حلت‭ ‬بهم‭ ‬المصيبة‭ ‬الكبرى‭ ‬عندما‭ ‬غزاهم‭ ‬الملك‭ ‬البابلي‭ ‬“نبوخذ‭ ‬نصر”‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬فنهب‭ ‬مدنهم‭ ‬وقتل‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم،‭ ‬ودمر‭ ‬هيكلهم،‭ ‬ونفاهم‭ ‬إلى‭ ‬بابل‭ ‬فيما‭ ‬سمي‭ ‬تاريخيًا‭ ‬بـ‭ ‬“السبي‭ ‬البابلي”‭. ‬وتصف‭ ‬التوراة‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعل‭ ‬بهم‭ ‬نبوخذ‭ ‬نصر‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬الوقائع‭: ‬“وأخرج‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬جميع‭ ‬خزائن‭ ‬بيت‭ ‬الرب،‭ ‬وخزائن‭ ‬بيت‭ ‬المَلك،‭ ‬وكسَّر‭ ‬كل‭ ‬آنية‭ ‬الذهب‭ ‬التي‭ ‬عملها‭ ‬سليمان‭ ‬ملك‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هيكل‭ ‬الرب،‭ ‬كما‭ ‬تكلم‭ ‬الرب،‭ ‬وسبى‭ ‬كل‭ ‬أورشليم‭ ‬وكل‭ ‬الرؤساء‭ ‬وجميع‭ ‬جبابرة‭ ‬البأس‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬مسبي‭... ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬مساكين‭ ‬شعب‭ ‬الأرض‭. ‬وسبى‭ ‬يهوياكين‭ ‬إلى‭ ‬بابل‭. ‬وأُم‭ ‬الملك‭ ‬ونساء‭ ‬الملك‭ ‬وخصيانه‭ ‬وأقوياء‭ ‬الأرض،‭ ‬سباهم‭ ‬من‭ ‬أورشليم‭ ‬إلى‭ ‬بابل”‭. ‬ويقدر‭ ‬العدد‭ ‬الكلي‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬المسبيين‭ ‬إلى‭ ‬بابل‭ ‬بين‭ ‬62000‭ ‬و70000‭ ‬شخص،‭ ‬وقد‭ ‬ظلوا‭ ‬في‭ ‬الأسر‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬عاما‭.‬

وعندما‭ ‬تغلب‭ ‬الفرس‭ ‬على‭ ‬البابليين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬538‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬أمر‭ ‬الملك‭ ‬الفارسي‭ ‬قورش‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراحهم‭ ‬وعودتهم‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭. ‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬عادوا‭ ‬واستقروا‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬نشب‭ ‬الصراع‭ ‬والخلاف‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬وتقاتلوا،‭ ‬ثم‭ ‬غزاهم‭ ‬الإسكندر‭ ‬الأكبر،‭ ‬وهزمهم،‭ ‬ووقعوا‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الحكم‭ ‬الروماني،‭ ‬وحُرق‭ ‬هيكلهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ودمرت‭ ‬عاصمتهم،‭ ‬وتعرضوا‭ ‬للقمع‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والمجازر،‭ ‬بعدها‭ ‬بدأ‭ ‬الصدام‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬الجديد،‭ ‬وصارت‭ ‬فلسطين‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الأمبراطورية‭ ‬البيزنطية‭ ‬وتم‭ ‬طردهم‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬منها،‭ ‬وبدأوا‭ ‬مرحلة‭ ‬النزوح‭ ‬والتشرد‭ ‬والشتات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أصقاع‭ ‬الأرض‭. ‬

في‭ ‬أوروبا،‭ ‬ومنذ‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬كان‭ ‬اليهود‭ ‬يتعرضون‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬للعنف‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والتهميش‭ ‬والطرد‭ ‬والقتل‭ ‬لاعتقاد‭ ‬المسيحيين‭ ‬بمسؤولية‭ ‬اليهود‭ ‬عن‭ ‬قتل‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭.‬

وقد‭ ‬ضاعفت‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬أوروبا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أحاسيس‭ ‬البغضاء‭ ‬والكراهية‭ ‬ضدهم‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ازدياد‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬والفتك‭ ‬بهم،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬هذا‭ ‬الاضطهاد‭ ‬ذروته‭ ‬بقتل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬يهودي‭ ‬في‭ ‬أفران‭ ‬ومعسكرات‭ ‬الإبادة‭ ‬النازية‭ ‬أثناء‭ (‬الهولوكوست‭) ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1941‭ ‬إلى‭ ‬1945‭.‬

هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬اليهود‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يخيفنا‭ ‬ويرعبنا‭ ‬منهم،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يوفق‭ ‬أمتنا‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬الخير‭ ‬والصلاح‭.‬