ريشة في الهواء

حديقتك الثقافية أولى من غيرها

| أحمد جمعة

القاعدة‭ ‬هي‭ ‬أنك‭ ‬تطور‭ ‬وتحسن‭ ‬مُنتجك‭ ‬الوطني‭ ‬كأولوية‭ ‬ثم‭ ‬تفكر‭ ‬بفتح‭ ‬قنوات‭ ‬للمنتج‭ ‬الأجنبي،‭ ‬طبعًا‭ ‬لكلِّ‭ ‬قاعدةٍ‭ ‬شواذ،‭ ‬ففي‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية‭ ‬كالطب‭ ‬والفضاء‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المعقدة،‭ ‬أنت‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬للاستنجاد‭ ‬بالمنتج‭ ‬الأجنبي‭ ‬لتدعم‭ ‬محاولة‭ ‬التطوير‭ ‬الداخلي‭ ‬واكتساب‭ ‬الخبرة،‭ ‬وهذا‭ ‬مشروع‭...‬‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬بمجالات‭ ‬مجتمع‭ ‬يسعى‭ ‬لتطوير‭ ‬وإثراء‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون،‭ ‬صعب‭! ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬بمستوى‭ ‬يفوق‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬ثم‭ ‬تأخرت‭ ‬وانحدرت‭ ‬لأنك‭ ‬أهملت‭ ‬الداخل‭ ‬وسعيت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البهرجة‭ ‬والبريستيج‭ ‬للاستنجاد‭ ‬بالخارج،‭ ‬فلا‭ ‬أنت‭ ‬حققت‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاستيراد‭ ‬للثقافات‭ ‬الخارجية‭ ‬دون‭ ‬إمكانية‭ ‬توطينها‭ ‬لأنك‭ ‬لم‭ ‬تسعَ‭ ‬لهذا‭ ‬الهدف‭ ‬ولا‭ ‬أنت‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬زرع‭ ‬شجيرات‭ ‬ورويت‭ ‬حديقتك‭ ‬الثقافية‭ ‬اليابسة‭ ‬أصلا‭ ‬منذ‭ ‬تخليت‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬بصورتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬المبدعة‭ ‬دون‭ ‬تلك‭ ‬الإطارات‭ ‬الظاهرية‭ ‬البراقة‭.‬

من‭ ‬المؤلم‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬لمسيرة‭ ‬ثقافية‭ ‬تميزت‭ ‬بها‭ ‬البحرين‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬ليس‭ ‬بالمنطقة‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬إقليميا‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬والفنون‭ ‬والأدب‭ ‬والنقد‭ ‬وفنون‭ ‬الغوص‭.. ‬تهاجر‭ ‬لأنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬اليوم‭ ‬باستيراد‭ ‬فرق‭ ‬صينية‭ ‬وروسية‭ ‬وهندية‭ ‬وأدباء‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ومحاضرين‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ونهدر‭ ‬الأموال‭ ‬ولا‭ ‬نكتفي‭ ‬بذلك‭ ‬بل‭ ‬ونهدر‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬والإمكانيات‭ ‬لدعم‭ ‬فعاليات‭ ‬خارجية‭ ‬بينما‭ ‬حياتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬تفتقد‭ ‬أبسط‭ ‬وأسهل‭ ‬المظاهر‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬الأمم‭ ‬الحية‭.‬

أين‭ ‬السينما؟‭ ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬للمسرح‭ ‬وانتهى‭ ‬أمره‭ ‬من‭ ‬الساحة؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬ترجمات‭ ‬لأهم‭ ‬أعمال‭ ‬مبدعينا‭ ‬الكتاب؟‭ ‬أين‭ ‬الموسيقى؟‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬وكأنها‭ ‬في‭ ‬مأتم،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مؤسسات‭ ‬ثقافية‭ ‬رسمية‭ ‬وأهلية‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نفتقد‭ ‬الحس‭ ‬الثقافي،‭ ‬لا‭ ‬أود‭ ‬بث‭ ‬الإحباط‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬البعض‭ ‬ولكن‭ ‬حالة‭ ‬القحط‭ ‬الثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬وكأننا‭ ‬دولة‭ ‬مستجدة‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬بعد‭ ‬الولوج‭ ‬للحضارات،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬موطن‭ ‬الحضارات‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬السحيقة،‭ ‬وما‭ ‬يؤلم‭ ‬أننا‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬كنا‭ ‬روادا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬الثقافة‭ ‬وكانت‭ ‬البلاد‭ ‬مركزًا‭ ‬مشعًا‭ ‬بالأضواء‭ ‬والأنوار‭ ‬الثقافية،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬وانتكسنا؟

كل‭ ‬سلعة‭ ‬ومنتج‭ ‬يمكن‭ ‬استيراده‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬إلا‭ ‬الثقافات،‭ ‬فهي‭ ‬تنبت‭ ‬وتولد‭ ‬من‭ ‬مخاضات‭ ‬وإرهاصات‭ ‬وتجارب‭ ‬وأفراح‭ ‬وآلام‭ ‬الشعوب،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬ننتج‭ ‬ثقافتنا‭ ‬فلا‭ ‬أمل‭ ‬بوجود‭ ‬ونمو‭ ‬وتطور‭ ‬منتج‭ ‬ثقافي،‭ ‬لأن‭ ‬الإبداع‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الواقع‭ ‬والأرض‭ ‬والحس‭ ‬الإنساني‭ ‬للشعوب،‭ ‬فحسرة‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭ ‬هذا‭ ‬الجدب‭ ‬الثقافي‭ ‬يضرب‭ ‬أوتاده‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬الراهن‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

عندما‭ ‬تنصت‭ ‬للغوغاء‭ ‬لا‭ ‬تتوقع‭ ‬الحكمة‭.‬