ومضة قلم

وداعا أيها الأمير الإنسان

| محمد المحفوظ

إنّ‭ ‬رحيل‭ ‬رجل‭ ‬بقامة‭ ‬ومكانة‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬يشكل‭ ‬خسارة‭ ‬فادحة‭ ‬لا‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬بل‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اختزال‭ ‬منجزات‭ ‬الراحل‭ ‬في‭ ‬أسطر‭ ‬قليلة‭ ‬فإنه‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬الرجل‭ ‬الحكيم‭ ‬الذي‭ ‬كرس‭ ‬جل‭ ‬حياته‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنه‭ ‬وشعبه،‭ ‬بل‭ ‬تجاوزت‭ ‬خدمته‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والإنسانية‭.‬

إزاء‭ ‬جهوده‭ ‬الكبيرة‭ ‬والاستثنائية‭ ‬ليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬“أميرا‭ ‬للإنسانية”،‭ ‬وأن‭ ‬تصبح‭ ‬ذكراه‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬قلوب‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬مودة‭ ‬ومعزة‭ ‬خاصة،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬مآثره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحصر‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لقد‭ ‬شهدت‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬نهضة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مركزا‭ ‬ماليا‭ ‬وتجاريا‭ ‬عالميا‭ ‬وعزز‭ ‬اقتصاد‭ ‬الكويت‭ ‬بتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭.‬

إنه‭ ‬رجل‭ ‬الحكمة‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلام‭ ‬وصوت‭ ‬الحكمة‭ ‬والاعتدال،‭ ‬والجميع‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬مواقفه‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬المحن‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أشقائه‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يدخر‭ ‬جهدا‭ ‬لرأب‭ ‬الصدع،‭ ‬وكان‭ ‬يسارع‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الأشقاء‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬العروبة‭ ‬بكل‭ ‬السبل،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬

اتسمت‭ ‬شخصية‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬بالبساطة‭ ‬الشديدة‭ ‬والعفوية‭ ‬المدهشة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التكلف‭ ‬والرسميات،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬الجميع‭ ‬يستذكر‭ ‬وقفته‭ ‬الإنسانية‭ ‬المشرفة‭ ‬عندما‭ ‬استهدف‭ ‬تفجير‭ ‬إرهابيّ‭ ‬أحد‭ ‬بيوت‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬يتفقد‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬يبلسم‭ ‬جراحهم،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬تواصله‭ ‬مع‭ ‬شعبه‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح،‭ ‬ولعل‭ ‬الجميع‭ ‬يستذكرون‭ ‬متابعة‭ ‬سموه‭ ‬الشخصية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الفئات‭.‬

قبيل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬رحيل‭ ‬الأمير‭ ‬صباح‭ ‬تم‭ ‬منحه‭ ‬وساما‭ ‬رفيعا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يمنح‭ ‬إلا‭ ‬لعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬البارزين،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬المآثر‭ ‬العديدة‭ ‬للراحل‭ ‬الكبير‭ ‬التي‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬حنكة‭ ‬سياسية‭ ‬أن‭ ‬وطنه‭ ‬الكويت‭ ‬تمتع‭ ‬بالأمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬طوال‭ ‬تسلمه‭ ‬دفة‭ ‬الحكم،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬ينأى‭ ‬ببلده‭ ‬الكويت‭ ‬عن‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬شعلة‭ ‬للسلام‭ ‬وإذابة‭ ‬الجليد‭ ‬بين‭ ‬الأشقاء‭ ‬العرب‭.‬

تغمد‭ ‬الله‭ ‬الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬الأمير‭ ‬الإنسان‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته،‭ ‬وسيبقى‭ ‬شمعة‭ ‬مضيئة‭ ‬وذكرى‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬