تحقيق العدالة الناجزة

| د. عبدالقادر ورسمه

العدل‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭. ‬والعدل،‭ ‬في‭ ‬إيجاز،‭ ‬يعني‭ ‬الإنصاف‭ ‬وإعطاء‭ ‬المرء‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬وأخذ‭ ‬ما‭ ‬عليه‭. ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬آيات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تأمر‭ ‬بالعدل،‭ ‬وتحث‭ ‬عليه،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬التمسك‭ ‬به‭. ‬والجميع‭ ‬يقول،‭ ‬العدل‭ ‬أساس‭ ‬الملك،‭ ‬وعليه‭ ‬تستقر‭ ‬الحياة‭ ‬ويشعر‭ ‬الجميع‭ ‬بالأمان‭ ‬لتوفر‭ ‬العدل‭ ‬الذي‭ ‬تطمئن‭ ‬له‭ ‬النفوس‭.‬

ومن‭ ‬اللحظات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬بمعنى‭ ‬العدل‭ ‬ومدى‭ ‬أهميته،‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬أنه‭ ‬مظلوم‭ ‬ويلجأ‭ ‬للقضاء‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭. ‬والمحاكم،‭ ‬متوفرة‭ ‬وتعمل‭ ‬جل‭ ‬طاقتها‭ ‬لترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭. ‬وصدرت‭ ‬أحكام‭ ‬قضائية‭ ‬ثمينة‭ ‬تمثل‭ ‬قمة‭ ‬العدل‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبادئها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬

وبحثا‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والعدالة،‭ ‬ظهرت‭ ‬عدة‭ ‬بدائل‭ ‬ذات‭ ‬صفة‭ ‬قانونية‭ ‬لحسم‭ ‬المنازعات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬البدائل،‭ ‬نجد‭ ‬التحكيم‭ (‬آربتريشن‭) ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬وجوده‭ ‬وأكد‭ ‬فعاليته‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدل‭ ‬ورؤيته‭ ‬ماثلا‭ ‬بين‭ ‬الناس‭. ‬والتحكيم،‭ ‬معروف‭ ‬منذ‭ ‬أجل‭ ‬بعيد،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مما‭ ‬مكنه‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أفضل‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة،‭ ‬وأهمها‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬السريعة‭.‬

من‭ ‬أهم‭ ‬المميزات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬التحكيم،‭ ‬كبديل‭ ‬لحسم‭ ‬المنازعات،‭ ‬ميزة‭ ‬سرعة‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬المنازعات‭. ‬ولهذه‭ ‬السرعة‭ ‬مفعول‭ ‬السحر‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬لأن‭ ‬طالب‭ ‬العدالة‭ ‬يجدها‭ ‬أمامه‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الأسابيع‭ ‬والشهور‭. ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬الفقهاء،‭ ‬إن‭ ‬العدالة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سريعة‭ ‬وناجزة‭ ‬و”تأخير‭ ‬العدالة‭ ‬يعني‭ ‬نكران‭ ‬العدالة”‭. ‬وهذه‭ ‬مقولة‭ ‬صائبة‭ ‬وسليمة‭ ‬ويؤكدها‭ ‬الواقع،‭ ‬لأن‭ ‬الحق‭ ‬إذا‭ ‬أتى‭ ‬متاخرا‭ ‬فقد‭ ‬طعمه‭ ‬ومذاقه‭ ‬الحقيقي‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬ابتلاعه‭. ‬ومن‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحكيم‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬نجد‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬المؤسسي‭ (‬انستتيوشنال‭ ‬آربتريشن‭) ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مراكز‭ ‬تحكيم‭ ‬قانونية‭ ‬مؤهلة‭ ‬تماما‭ ‬لهذه‭ ‬المهمة‭ ‬الهامة‭. ‬ومن‭ ‬مراكز‭ ‬التحكيم‭ ‬المرموقة،‭ ‬نجد‭ ‬مركز‭ ‬التحكيم‭ ‬التجاري‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ (‬دار‭ ‬القرار‭) ‬ومقره‭ ‬البحرين‭. ‬وهذه‭ ‬المراكز‭ ‬لديها‭ ‬قوانين‭ ‬وإجراءات‭ ‬يتم‭ ‬اتباعها‭ ‬عند‭ ‬إجراء‭ ‬التحكيم‭. ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬الأحكام‭ ‬الهامة،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬محددة‭ ‬يجب‭ ‬التقيد‭ ‬بها‭. ‬وهنا‭ ‬يختلف‭ ‬التحكيم‭ ‬عن‭ ‬المحاكم‭ ‬القضائية‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬محددة‭.‬

من‭ ‬الأخبار‭ ‬السارة،‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬وتؤيد‭ ‬أهميته‭ ‬بل‭ ‬ضرورته،‭ ‬الإفادة‭ ‬الصادرة‭ ‬أخيرا‭ ‬من‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬بالإنابة‭ ‬لدار‭ ‬القرار‭ ‬والتي‭ ‬أفاد‭ ‬فيها‭ ‬بصدور‭ ‬حكم‭ ‬نهائي‭ ‬من‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬للفصل‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬المعروض‭ ‬خلال‭ ‬سبعة‭ ‬وخمسين‭ ‬يوما‭ ‬فقط‭. ‬وهذا‭ ‬زمن‭ ‬قياسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لطبيعة‭ ‬وتشعب‭ ‬النزاع‭ ‬المعروض‭ ‬أمام‭ ‬هئية‭ ‬التحكيم‭. ‬وهنا،‭ ‬نجد‭ ‬التحقيق‭ ‬الفعلي‭ ‬والعملي‭ ‬للمبدأ‭ ‬الذهبي‭ ‬“تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة”‭ ‬لأنها‭ ‬أتت‭ ‬سريعة‭ ‬بقرار‭ ‬حاسم‭ ‬ونافذ‭ ‬وملزم‭ ‬للأطراف‭. ‬ولذا‭ ‬نقول،‭ ‬إن‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬للفصل‭ ‬في‭ ‬المنازعات،‭ ‬أصبح‭ ‬ضرورة‭ ‬واقعية‭ ‬نحتاج‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬السريع‭ ‬المتسارع‭ ‬الخطى‭. ‬وليكن‭..‬

 

‭* ‬مستشار‭ ‬وخبير‭ ‬قانوني