ريشة في الهواء

العالم بعد 2020

| أحمد جمعة

نحن‭ ‬والعالم‭ ‬نواجه‭ ‬ساعة‭ ‬تحد‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬بالتاريخ‭ ‬المعاصر‭ ‬سوى‭ ‬الحرب‭ ‬الكونية‭ ‬الثانية،‭ ‬حرب‭ ‬فيروسية،‭ ‬كيميائية،‭ ‬سياسية،‭ ‬صحية‭ ‬ومالية‭ ‬ونفسية،‭ ‬وآيديولوجية،‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للبشرية‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬والحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬وهناك‭ ‬احتمال‭ ‬مع‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬كورونا،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬وباء‭ ‬بل‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ستشهد‭ ‬خلالها‭ ‬وبعدها‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬انقلابًا‭ ‬مؤكدًا،‭ ‬ومن‭ ‬الغباء‭ ‬تجاهل‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭ ‬كما‭ ‬يهلل‭ ‬البعض‭ ‬بمجرد‭ ‬تعميم‭ ‬اللقاح،‭ ‬فبعد‭ ‬هذا‭ ‬الزلزال‭ ‬الكوني‭ ‬سيتغير‭ ‬العالم‭ ‬ولن‭ ‬يعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬سيفوته‭ ‬قطار‭ ‬التغيير‭.‬

ما‭ ‬هي‭ ‬المؤشرات؟‭ ‬الجواب‭ ‬حالة‭ ‬المخاض‭ ‬الراهنة،‭ ‬وعليكم‭ ‬مراجعة‭ ‬ما‭ ‬يدلي‭ ‬به‭ ‬وارن‭ ‬بافيت‭ ‬وبيل‭ ‬جيتس‭ ‬وما‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬ترهات‭ ‬الآيديولوجيين‭ ‬المهترئين‭.‬

الحضارات‭ ‬تبنيها‭ ‬شعوب‭ ‬متفائلة‭ ‬وتسقطها‭ ‬شعوب‭ ‬متشائمة،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ينمو‭ ‬ويبني‭ ‬صناعة‭ ‬وفنا‭ ‬وثقافة‭ ‬وعلوم‭ ‬فضاء‭ ‬ويستقي‭ ‬الأفكار‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬وحطمها‭ ‬وارتقى‭ ‬بالدولة‭ ‬لتكون‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬بالعالم،‭ ‬وحين‭ ‬بلغ‭ ‬الشيخوخة‭ ‬وتفككت‭ ‬جمهورياته‭ ‬الواسعة‭ ‬وشعرت‭ ‬شعوبها‭ ‬باليأس‭ ‬ودمر‭ ‬التشاؤم‭ ‬نفوس‭ ‬أبناء‭ ‬أقوى‭ ‬امبراطورية‭ ‬بالكون‭ ‬انهار‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬استيقظ‭ ‬الشعب‭ ‬الياباني‭ ‬وأفاق‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬قنبلتين‭ ‬نوويتين‭ ‬حطمتا‭ ‬كيان‭ ‬الامبراطورية‭ ‬اليابانية،‭ ‬تمكنت‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬حضارة‭ ‬معاصرة‭ ‬تغذي‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬احتياجاته‭. ‬المغزى‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬النموذجين‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬كيانات‭ ‬متضخمة‭ ‬وجيوش‭ ‬جرارة‭ ‬وحضارات‭ ‬قديمة‭ ‬يتكئ‭ ‬عليها‭ ‬الشعب‭ ‬ويُعوّل‭ ‬على‭ ‬الماضي،‭ ‬الأمم‭ ‬قبل‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬مكونات‭ ‬معقدة‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬الأفكار‭ ‬والرؤى‭ ‬والطموحات،‭ ‬والحافز‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالأمة‭ ‬هو‭ ‬وعي‭ ‬الشعوب‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الكيان‭ ‬صغيرا‭ ‬أو‭ ‬كبيرا،‭ ‬المهم‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تتحرك‭ ‬وتتفاعل‭ ‬داخل‭ ‬رؤوس‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدو‭ ‬الرؤية‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬سنغافورة‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬برحت‭ ‬بوعيها‭ ‬المتنامي‭ ‬تابو‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬الغيبيات‭ ‬والقوميات‭ ‬والشعارات‭ ‬والتخندق‭ ‬وراء‭ ‬العقائد‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬سدتها‭ ‬وجعلتها‭ ‬مثل‭ ‬حجر‭ ‬الصوان‭ ‬فيه‭ ‬كلّ‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬الغنية‭ ‬بكل‭ ‬المعادن‭ ‬مثل‭ ‬الماء‭ ‬والجير‭ ‬وأكسيد‭ ‬الحديد‭ ‬والكربون‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الألوان‭ ‬والجنسيات‭ ‬ولكنه‭ ‬يظل‭ ‬حجرًا‭ ‬لأنه‭ ‬بلا‭ ‬عقل‭ ‬وهكذا‭ ‬العقول‭ ‬الجامدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬ولا‭ ‬تتطور‭ ‬ولا‭ ‬تنمو‭ ‬لأنها‭ ‬مستلبة‭ ‬داخل‭ ‬قطيع‭ ‬تقوده‭ ‬الآيديولوجيا‭ ‬المتحجرة‭.‬

 

تنويرة‭:

‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬الإنسانُ‭ ‬إلهًا‭ ‬يسهل‭ ‬تدميره‭.‬