سوالف

“السلم” صيدلية البشر

| أسامة الماجد

لقد‭ ‬ترددت‭ ‬كلمة‭ ‬“السلم”‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬كثيرا،‭ ‬وذهب‭ ‬أكثر‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬إلى‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬أقدار‭ ‬البشر‭ ‬متلاحمة،‭ ‬ويقفون‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬اللغات‭ ‬وتباينت‭ ‬البيئات‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬يلعب‭ ‬السلم‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬وكبيرا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاندماج‭ ‬الشامل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفيلسوف‭ ‬“نورث‭ ‬وايتهيد”‭ ‬الذي‭ ‬أتحف‭ ‬العالم‭ ‬بنظريات‭ ‬وآراء‭ ‬فلسفية‭ ‬رائعة،‭ ‬فوايتهيد‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬الحضارة‭ ‬“السلم”‭ ‬وليس‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬حالة‭ ‬استقرار‭ ‬وجمود،‭ ‬إنما‭ ‬شعور‭ ‬إيجابي‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬إيقاظ‭ ‬النشاط‭ ‬وحفز‭ ‬الهمم،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يقصر‭ ‬السلم‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬السیاسي،‭ ‬إنما‭ ‬عنده‭ ‬حالة‭ ‬عقلية‭ ‬تمتاز‭ ‬بإدراك‭ ‬أن‭ ‬الجمال‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬عظيمة،‭ ‬وهو‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الولاء‭ ‬للمثل‭ ‬الأعلى‭ ‬للانسجام‭ ‬الذي‭ ‬تنتصر‭ ‬فيه‭ ‬الاستقامة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬جميل،‭ ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الانسجام‭ ‬تكون‭ ‬للحق‭ ‬منزلة‭ ‬مكرمة‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬أسمى‭ ‬القيم‭.‬

وحينما‭ ‬يتحقق‭ ‬السلم‭ ‬يتولد‭ ‬الهدوء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعصف‭ ‬به‭ ‬العواصف،‭ ‬وتنطفئ‭ ‬نيران‭ ‬المطامع‭ ‬الذاتية،‭ ‬والخلافات‭ ‬الضئيلة‭ ‬التي‭ ‬تثيرها‭ ‬الاحتكاكات‭ ‬اليومية‭ ‬العادية،‭ ‬ويمتاز‭ ‬السلم‭ ‬باتساع‭ ‬الأفق،‭ ‬ووضع‭ ‬الوقائع‭ ‬إزاء‭ ‬القيم‭ ‬المثالية،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬السلم‭ ‬يجعلنا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬وجوه‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المختلفة‭ ‬نظرة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الأنانية‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يحصر‭ ‬اهتمامه‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬طعامه‭ ‬أو‭ ‬الالتجاء‭ ‬إلى‭ ‬ملاذ‭ ‬يحميه،‭ ‬ويصبح‭ ‬الكون‭ ‬لا‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬وحده،‭ ‬ويعجب‭ ‬بالعمل‭ ‬الجدير‭ ‬بالإعجاب‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬فيه‭ ‬مشاركة،‭ ‬ولا‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬الشهرة،‭ ‬ويتطهر‭ ‬من‭ ‬الأثرية‭ ‬الضيقة،‭ ‬وبذلك‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬لازمة‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الحضارة‭ ‬أي‭ ‬حب‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الأنانية‭.. ‬فيطلق‭ ‬من‭ ‬عقالها‭ ‬القوى‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬نبددها‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬تحقيق‭ ‬الأغراض‭ ‬المحدودة‭ ‬وتسنح‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة‭ ‬للقيام‭ ‬بنشاط‭ ‬خلاق‭.‬

 

أما‭ ‬مارسيل‭ ‬بروست‭ ‬فقد‭ ‬وصف‭ ‬“السلم”‭ ‬بأنه‭ ‬مثل‭ ‬النبات‭ ‬والشجر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬أبدا،‭ ‬بينما‭ ‬عرفه‭ ‬برانتد‭ ‬رسل‭ ‬بأنه‭ ‬صيدلية‭ ‬البشر‭.‬