ريشة في الهواء

الخوف من الخوف!

| أحمد جمعة

بهذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬الضيق‭ ‬والخانق‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬ظروف‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وما‭ ‬تبعها‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬مالية‭ ‬وصحية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ونفسية،‭ ‬كثيرون‭ ‬بل‭ ‬غالبية‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تزرع‭ ‬اليأس‭ ‬بالنفوس‭ ‬وتبث‭ ‬هواء‭ ‬متفسخا‭ ‬رائحته‭ ‬فاسدة،‭ ‬مفاده‭ ‬القنوط‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬المجهول‭ ‬والباعث‭ ‬هو‭ ‬الخشية‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الوظائف‭ ‬والأحبة‭ ‬والعزلة‭ ‬والوحدة‭ ‬والمرض‭ ‬والشعور‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬بات‭ ‬خطيرًا‭.‬

لا‭ ‬لوم‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر،‭ ‬فغريزة‭ ‬حب‭ ‬الحياة‭ ‬والمال‭ ‬والصحة‭ ‬والرخاء،‭ ‬هي‭ ‬فطرة‭ ‬وُلِدت‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الاستنزافي‭ ‬الذي‭ ‬وَلد‭ ‬حاجات‭ ‬متجددة‭ ‬بكلِّ‭ ‬حقبةٍ‭ ‬وطفرة‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشكل‭ ‬ذرة‭ ‬مخاوف‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬وأكثر،‭ ‬وهذا‭ ‬نتاج‭ ‬الحياة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬مجتمعات‭ ‬الرخاء‭ ‬وندفع‭ ‬الثمن‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬اكتسبناه‭ ‬وحققناه‭ ‬ونتج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة،‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يدفعنا‭ ‬لليأس‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬المجهول‭ ‬بهذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬أزمة‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬لها‭ ‬بالعصر‭ ‬الحديث‭ ‬ونتجت‭ ‬عنها‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬المتباينة‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وهم‭ ‬محقون‭ ‬بمخاوفهم‭ ‬نظرًا‭ ‬لضيق‭ ‬الوعي‭ ‬وقلة‭ ‬الحيلة،‭ ‬فالخوف‭ ‬عندما‭ ‬يضحى‭ ‬خوفا‭ ‬يدمر‭.‬

بث‭ ‬اليأس‭ ‬بالنفوس‭ ‬وترسيخ‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭ ‬بالعالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬ليس‭ ‬وسيلة‭ ‬مجدية‭ ‬للاستمرار‭ ‬بالحياة،‭ ‬إن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬مر‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثانية،‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬يأس‭ ‬بالبداية‭ ‬ولكن‭ ‬نزعة‭ ‬الحياة‭ ‬وغريزة‭ ‬البقاء‭ ‬أوجدت‭ ‬عالمًا‭ ‬جديدًا‭ ‬ظلّلهُ‭ ‬الرخاء‭ ‬ونتجت‭ ‬عنه‭ ‬تنمية‭ ‬وازدهار،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬لليأس،‭ ‬إنما‭ ‬فتح‭ ‬نوافذ‭ ‬يتسلل‭ ‬منها‭ ‬هواء‭ ‬نقي‭ ‬بعد‭ ‬دخان‭ ‬الحرب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلتفت‭ ‬له‭ ‬وأن‭ ‬نتأمل‭ ‬كيف‭ ‬تخلق‭ ‬الأزمات‭ ‬قنوات‭ ‬تُولد‭ ‬منها‭ ‬حياة‭ ‬جديدة؟‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬تلك‭ ‬الضائقة‭ ‬وتحويلها‭ ‬بإرادة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬نبض‭ ‬جديد‭ ‬خلاق‭... ‬ما‭ ‬أحوجنا‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الساعات‭ ‬الخانقة‭ ‬لأن‭ ‬نتحدى‭ ‬ونقاوم‭ ‬ونسابق‭ ‬الزمن‭ ‬بإيقاع‭ ‬سريع‭ ‬متناغم‭ ‬مع‭ ‬إرادة‭ ‬الحياة‭ ‬لزرعِ‭ ‬الأمل‭ ‬بدل‭ ‬اليأس،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬متضررون،‭ ‬خسروا‭ ‬الأموال‭ ‬والأحبة‭ ‬ويواجهون‭ ‬المجهول‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بحياتهم‭ ‬الصعبة،‭ ‬ولا‭ ‬لوم‭ ‬عليهم‭ ‬لو‭ ‬شعروا‭ ‬بالقنوط،‭ ‬لكن‭ ‬الاستسلام‭ ‬لهذا‭ ‬الشعور‭ ‬لن‭ ‬يحل‭ ‬المشكلة‭ ‬بل‭ ‬يعقدها،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬جديدة‭ ‬وأفكار‭ ‬مبدعة‭ ‬ووسائل‭ ‬خلاقة،‭ ‬نقفز‭ ‬من‭ ‬حافة‭ ‬الهاوية‭ ‬لمرفأ‭ ‬الحياة‭ ‬الملهمة‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬أرخينا‭ ‬لها‭ ‬الحبل‭ ‬واستودعناها‭ ‬أن‭ ‬تقودنا‭ ‬بما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬وإبداعات‭ ‬وروح‭ ‬متقدة‭ ‬للإنجاز،‭ ‬لخرجنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬بانتصار‭ ‬عظيم‭ ‬وهو‭ ‬فوزنا‭ ‬بالحياة‭ ‬الرائقة‭ ‬رغم‭ ‬الآلام‭.‬

 

تنويرة‭:

‬الخوف‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬الناس‭ ‬بك‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬لفقد‭ ‬الثقة‭.‬