أعور الشرق... متى يرى بعينيه؟

| هدى حرم

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬نظرةُ‭ ‬الرجل‭ ‬للمرأة‭ ‬جسدية‭ ‬بحتة؛‭ ‬فهي‭ ‬وإنْ‭ ‬حاربت‭ ‬لنيل‭ ‬حقوقها‭ ‬ومساواتها‭ ‬بالرجل‭ ‬لعقودٍ‭ ‬متعاقبة‭ ‬لمْ‭ ‬تُفلح‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬تلك‭ ‬النظرة‭ ‬العوراء‭ ‬التي‭ ‬تعيدُ‭ ‬النساءَ‭ ‬للعصور‭ ‬الحجريةِ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬الرغمِ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التقدمِ‭ ‬والتطور‭ ‬الذي‭ ‬يشهدهُ‭ ‬العالمُ‭ ‬على‭ ‬شتى‭ ‬الأصعدة‭ ‬في‭ ‬القرنِ‭ ‬الواحدِ‭ ‬والعشرين؛‭ ‬فأيُ‭ ‬تقدمٍ‭ ‬هذا‭ ‬إذاً‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬الآلةَ‭ ‬والعربة،‭ ‬وكيف‭ ‬لمْ‭ ‬يتسللْ‭ ‬بعدُ‭ ‬لأدمغةِ‭ ‬أغلب‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يرونَ‭ ‬في‭ ‬المرأةِ‭ ‬سوى‭ ‬وجه‭ ‬جميل‭ ‬وتضاريسَ‭ ‬خلابة،‭ ‬لا‭ ‬تصلحُ‭ ‬إلا‭ ‬للسياحةِ‭ ‬والمتعة؟‭!‬

ولشديدِ‭ ‬الأسفِ‭ ‬أقول،‭ ‬إنَّ‭ ‬مجتمعاتِنا‭ ‬الشرقيةَ‭ ‬هي‭ ‬مجتمعاتٌ‭ ‬ذكورية‭ ‬بحتة،‭ ‬تُعطي‭ ‬مفاتيحَ‭ ‬السلطةِ‭ ‬للرجل،‭ ‬وتُبقي‭ ‬المرأةَ‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬مطمورةٌ‭ ‬تحت‭ ‬جناحِ‭ ‬الرجلِ‭ ‬وغطائه،‭ ‬وهو‭ ‬الحال‭ ‬منذ‭ ‬القدم؛‭ ‬فأين‭ ‬هنَّ‭ ‬الشواعر،‭ ‬ولِمَ‭ ‬لمْ‭ ‬نسمع‭ ‬باسمِ‭ ‬عالمةٍ‭ ‬عربيةٍ‭ ‬اخترعت‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬ولو‭ ‬صغيراً،‭ ‬وأين‭ ‬هُنَّ‭ ‬الفصيحاتُ‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الخطيباتُ‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬والساحات،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬غيبهنَّ‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬لِمَ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬يحبينَ‭ ‬حَبواً‭ ‬في‭ ‬الحياةِ‭ ‬السياسيةِ‭ ‬ويُشاركنَ‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬في‭ ‬العملياتِ‭ ‬الانتخابية،‭ ‬ويْكأنهُ‭ ‬لا‭ ‬تنجحُ‭ ‬دوماً‭ ‬ولا‭ ‬يزدادُ‭ ‬عددُ‭ ‬المقاعد‭ ‬المؤنثة‭ ‬في‭ ‬البرلمانات‭ ‬الشعبيةِ‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬

من‭ ‬سوى‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬سرَّبَ‭ ‬فكرةَ‭ ‬الاستهانة‭ ‬بالمرأةِ‭ ‬وقدراتها‭ ‬وكفاءاتِها،‭ ‬حتى‭ ‬تشرَّبها‭ ‬المجتمعُ‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬بمنْ‭ ‬فيهم‭ ‬المرأةُ‭ ‬نفسُها؛‭ ‬فالمرأةُ‭ ‬حسب‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬الأعور‭ ‬ضعيفةٌ،‭ ‬قابلةٌ‭ ‬للكسر‭ ‬ولا‭ ‬تمتلكُ‭ ‬عقلاً‭ ‬وديناً‭ ‬كالرجل،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيعُ‭ ‬القيامَ‭ ‬بمهمات‭ ‬يُهيمن‭ ‬عليها‭ ‬الذكور،‭ ‬وهي‭ ‬ليستْ‭ ‬أهلاً‭ ‬للثقة،‭ ‬أو‭ ‬لتحملِ‭ ‬المسؤولية؛‭ ‬فهي‭ ‬مشكوكٌ‭ ‬بقدراتها‭ ‬في‭ ‬الطبِ‭ ‬والسياسةِ‭ ‬والرياضة،‭ ‬وغيرُ‭ ‬لائقٍ‭ ‬بها‭ ‬الولوج‭ ‬في‭ ‬عالمِ‭ ‬السياحةِ‭ ‬والفنِ‭ ‬والشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والمسرح،‭ ‬وإنْ‭ ‬كانت‭ ‬ملتزمةً‭ ‬بحدودِ‭ ‬الشرعِ‭ ‬والعُرف،‭ ‬فهل‭ ‬تركَ‭ ‬لها‭ ‬الرجلُ‭ ‬مجالاً‭ ‬للتنفسِ‭ ‬والحياة‭ ‬والشراكةِ‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬بناءِ‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬عانتْ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬مخاضِها‭ ‬لا‭ ‬هو؟

بذلك‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬نظرةَ‭ ‬العظمةِ‭ ‬لدى‭ ‬الرجل‭ ‬التي‭ ‬جعلتهُ‭ ‬يرى‭ ‬المرأةَ‭ ‬ناقصةً‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬زائدةً‭ ‬في‭ ‬وجودها،‭ ‬تأخذُنا‭ ‬بلمحِ‭ ‬البصر‭ ‬للجاهليةِ‭ ‬الجهلاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسودُ‭ ‬فيها‭ ‬أوجهُ‭ ‬الرجال‭ ‬لحظةَ‭ ‬ميلادِ‭ ‬إناثهم‭ ‬فيئدونَ‭ ‬الرحمةَ‭ ‬والجمال‭ ‬والحبَ‭ ‬وأصل‭ ‬الحياة‭. ‬ولو‭ ‬أنَّ‭ ‬الرجلَ‭ ‬كاملَ‭ ‬العقل‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬نفسه؛‭ ‬فلينظرْ‭ ‬للمرأةِ‭ ‬نظرةً‭ ‬شاملةً؛‭ ‬تشملُ‭ ‬كونها‭ ‬إنساناً‭ ‬مؤثراً‭ ‬وفاعلاً‭ ‬يتمتعُ‭ ‬بكل‭ ‬حقوقِ‭ ‬الإنسانيةِ‭ ‬ويضطلعُ‭ ‬بشتى‭ ‬المسؤوليات؛‭ ‬فهي‭ ‬قادرةٌ‭ ‬على‭ ‬قيادةِ‭ ‬الأمم‭ ‬نحو‭ ‬التغييرِ‭ ‬والتطوير‭ ‬لأنها‭ ‬تمتلكُ‭ ‬مع‭ ‬عاطفتها‭ ‬الجياشة‭ ‬ذكاء‭ ‬فذاً‭ ‬وعقلاً‭ ‬راجحاً‭ ‬تماماً‭ ‬كالرجل‭ ‬وربما‭ ‬أكثر،‭ ‬وليضعْ‭ ‬الأعورُ‭ ‬نظارات‭ ‬تصحيحِ‭ ‬النظر‭ ‬ليرى‭ ‬جيداً‭ ‬أنَّ‭ ‬المرأةَ‭ ‬ليست‭ ‬مجردَ‭ ‬جسدٍ‭ ‬يستبيحهُ‭ ‬حيناً‭ ‬ويُخفيهِ‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬أخرى‭.‬