ستة على ستة

وباء بلا نهاية

| عطا السيد الشعراوي

أخشى‭ ‬ما‭ ‬أخشاه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضحايا‭ ‬القلق‭ ‬النفسي‭ ‬والاكتئاب‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬المبثوث‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬وتصريحات‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬أضعاف‭ ‬ضحايا‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تحدث‭ ‬انفراجة‭ ‬وإلا‭ ‬ويتبعها‭ ‬تصريح‭ ‬مقلق‭ ‬وتعليق‭ ‬مخيف‭ ‬من‭ ‬المنظمة‭ ‬لتبدو‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الكثيرين‭ ‬وكأنها‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬آخر‭ ‬يهدف‭ ‬لإفشال‭ ‬جميع‭ ‬بشائر‭ ‬الأمل‭ ‬وقطع‭ ‬بوادر‭ ‬التفاؤل‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬الإنسانية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭.‬

لقد‭ ‬تركتنا‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬لشهور‭ ‬عديدة‭ ‬نتابع‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬تحركات‭ ‬مضنية‭ ‬وجهودا‭ ‬متواصلة‭ ‬ومتسارعة‭ ‬لشركات‭ ‬عالمية‭ ‬ومراكز‭ ‬علمية‭ ‬لأجل‭ ‬إراحة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالتوصل‭ ‬للقاح‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الجائحة‭ ‬وينهيها،‭ ‬وكأن‭ ‬صمت‭ ‬المنظمة‭ ‬على‭ ‬شغفنا‭ ‬ومباركتها‭ ‬جهود‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والمراكز‭ ‬موافقة‭ ‬ضمنية‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬معتقدنا‭ ‬بأن‭ ‬“في‭ ‬اللقاح‭ ‬نجاح”‭ ‬المرور‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الكارثة،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تعود‭ ‬بصدمة‭ ‬كبرى‭ ‬تفيقنا‭ ‬من‭ ‬أحلامنا‭ ‬بتحذيرها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬اللقاح‭ ‬لن‭ ‬ينهي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬المدمرة،‭ ‬متساءلة‭ ‬باندهاش‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مديرها‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬هانز‭ ‬كلوغ‭ ‬مؤخرًا‭ ‬وبعد‭ ‬سكوت‭ ‬طويل‭: ‬“أسمع‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بأن‭ ‬اللقاح‭ ‬سيكون‭ ‬نهاية‭ ‬الوباء‭. ‬بالطبع‭ ‬لا‭! ‬إننا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬اللقاح‭ ‬سيساعد‭ ‬جميع‭ ‬الفئات‭ ‬السكانية‭ ‬وكل‭ ‬الحالات‭. ‬ثمة‭ ‬إشارات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تنفي‭ ‬ذلك،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬لقاحات‭ ‬مختلفة؟‭ ‬يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬كابوس‭ ‬لوجستي‭!‬”

بل‭ ‬يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬“كابوس‭ ‬حياتي”‭ ‬مخيف‭ ‬خلقته‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬بطرحها‭ ‬معادلة‭ ‬أخرى‭ ‬تجب‭ ‬بها‭ ‬المعادلة‭ ‬التي‭ ‬ترسخت‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬بأن‭ ‬التوصل‭ ‬للقاح‭ ‬يعني‭ ‬انتهاء‭ ‬الجائحة‭ ‬لتحل‭ ‬المعادلة‭ ‬الجديدة‭ ‬بأن‭ ‬نهاية‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬معه،‭ ‬وهي‭ ‬معادلة‭ ‬مخيفة‭ ‬وتبدو‭ ‬بلا‭ ‬نهاية،‭ ‬فهل‭ ‬المقصود‭ ‬بهذا‭ ‬التعايش‭ ‬هو‭ ‬التخلي‭ ‬تمامًا‭ ‬وإلى‭ ‬الأبد‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬برونقها‭ ‬المعروف‭ ‬والمحبب،‭ ‬والحياة‭ ‬الدينية‭ ‬بشعائرها‭ ‬وطقوسها‭ ‬الواضحة‭ ‬والمريحة،‭ ‬والحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بضروراتها‭ ‬اللازمة،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بقشور‭ ‬وهوامش‭ ‬لا‭ ‬تشبع‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬احتياجاتنا‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وستوقعنا‭ ‬بأمراض‭ ‬أشد‭ ‬فتكًا‭ ‬وخطورة‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا؟‭.‬