عباس ومراجعاته في مؤتمر رام الله (2)

| سالم الكتبي

قلنا‭ ‬سابقاً‭ ‬إن‭ ‬عباس‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬لتتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وأنها‭ ‬لم‭ ‬ترغب‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شيمها‭ ‬ولا‭ ‬أخلاق‭ ‬قادتها‭ ‬وشعبها‭ ‬ادعاء‭ ‬الفضل‭ ‬ولا‭ ‬نسبته‭ ‬إليها،‭ ‬ويدرك‭ ‬عباس‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أوصل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لنهاية‭ ‬الطريق‭ ‬المسدود‭ ‬الذي‭ ‬يدعيه‭ ‬هو‭ ‬ورفاقه‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬القضية،‭ ‬كما‭ ‬يدرك‭ ‬كذب‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬“المقاومة”‭ ‬التي‭ ‬يدرك‭ ‬جيداً‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تجلب‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬بحكم‭ ‬تجارب‭ ‬قديمة‭ ‬وجديدة،‭ ‬ولن‭ ‬تجلب‭ ‬سوى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬ملايين‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬للقادة‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬أبومازن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬البائس‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬تنازلات‭ ‬ذاتية‭ ‬شخصية‭ ‬لن‭ ‬يقدم‭ ‬عليها،‭ ‬فهو‭ ‬مهندس‭ ‬الاتفاق‭ ‬وعرابه‭ ‬الأوحد،‭ ‬وإعلان‭ ‬الفشل‭ ‬يستوجب‭ ‬ـ‭ ‬أدبياً‭ ‬ـ‭ ‬اعتزال‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬المشهد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سواء‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬“اتفاق‭ ‬أوسلو”‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رايات‭ ‬“المقاومة”‭! ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬شخصياً‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تنازلاته‭ ‬المجانية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬هي‭ ‬بمنزلة‭ ‬مراجعات‭ ‬سياسية‭ ‬لتاريخه‭ ‬السياسي‭ ‬أم‭ ‬استمرارا‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الأخطاء‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬بحق‭ ‬القضية‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭.‬

ورغم‭ ‬تشككي‭ ‬فيما‭ ‬وراء‭ ‬حديثه‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬وثقتي‭ ‬بأنه‭ ‬فقد‭ ‬بوصلة‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي،‭ ‬فإن‭ ‬عودة‭ ‬أبومازن‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬فاعلية‭ ‬“المقاومة”‭ ‬والاعتراف‭ ‬بصواب‭ ‬نهج‭ ‬“حماس”‭ ‬هو‭ ‬هدية‭ ‬ليست‭ ‬مجانية‭ ‬يقدمها‭ ‬لإيران‭ ‬ووكلائها‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الفصائل‭ ‬وتجار‭ ‬المقاومة،‭ ‬وغداً‭ ‬ومع‭ ‬أول‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المزايدين‭ ‬ستطفو‭ ‬قوائم‭ ‬المستفيدين‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأحداث‭ ‬وتتناقلها‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬فمؤتمر‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬وبيروت‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬لقطة‭ ‬عابرة‭ ‬أراد‭ ‬بها‭ ‬الملالي‭ ‬ونصرالله‭ ‬وهنية‭ ‬إعادة‭ ‬“هندسة”‭ ‬مشهد‭ ‬المقاومة‭ ‬لمصلحة‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬البائس،‭ ‬ولن‭ ‬يتركوا‭ ‬لعباس‭ ‬وأمثاله‭ ‬أبداً‭ ‬فرصة‭ ‬التربح‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللقطة‭ ‬اللقيطة،‭ ‬التي‭ ‬عكست‭ ‬حجم‭ ‬النفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬الحكم‭ ‬اللبنانية،‭ ‬ليذهب‭ ‬هنية‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬ويلتقي‭ ‬نصرالله‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬حظرت‭ ‬لبنان‭ ‬أنشطتها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1982‭.‬

كان‭ ‬مؤتمر‭ ‬رام‭ ‬الله‭ - ‬بيروت‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬كاشفة‭ ‬لتبعية‭ ‬هؤلاء‭ ‬العملاء‭ ‬والأذرع‭ ‬الموالية‭ ‬لملالي‭ ‬إيران،‭ ‬رغم‭ ‬ادعاءات‭ ‬الولاء‭ ‬الفارغة‭ ‬للبنان‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وسقط‭ ‬معها‭ ‬عباس‭ ‬ورفاقه‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬للتعلق‭ ‬بأذرع‭ ‬الملالي‭ ‬لإنقاذ‭ ‬كراسيهم‭ ‬وزعاماتهم‭ ‬الفارغة،‭ ‬ولكن‭ ‬خابت‭ ‬ظنونهم‭ ‬وتهاوت‭ ‬أحلامهم‭ ‬وخسروا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬وصدقية‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الجميع‭. ‬“إيلاف”‭.‬