لمحات

كوتا الأوسكار

| د.علي الصايغ

يبدو‭ ‬أن‭ ‬أكاديمية‭ ‬فنون‭ ‬وعلوم‭ ‬السينما‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬توزيع‭ ‬جوائز‭ ‬الأوسكار،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الاتهام‭ ‬بالعنصرية‭ ‬بأية‭ ‬طريقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬قرارها‭ ‬بفرض‭ ‬التنوع‭ ‬والشمولية‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬الترشح‭ ‬لنيل‭ ‬جوائزها‭.‬

ويمثل‭ ‬ذلك‭ ‬برأيي‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬محاربة‭ ‬العنصرية‭ ‬بالعنصرية،‭ ‬ويؤسس‭ ‬لتقييد‭ ‬الإبداع،‭ ‬ويملي‭ ‬على‭ ‬فضاءاته‭ ‬الرحبة‭ ‬الارتهان‭ ‬للشروط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ينصف‭ ‬أبداً‭ ‬المبدعين‭ ‬بسبب‭ ‬الفرض‭ ‬الذي‭ ‬سينافي‭ ‬طبيعة‭ ‬القصص،‭ ‬والإمكانيات‭ ‬المتوفرة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ومواصفات‭ ‬الممثلين‭ ‬والممثلات،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬لأي‭ ‬فيلم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬تصبح‭ ‬الاختيارات‭ ‬مفيدة‭ ‬لصالح‭ ‬العمل‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬بل‭ ‬لتحقيق‭ ‬كوتا‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وحسب‭.‬

إنها‭ ‬ليست‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬الترشح‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬أو‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص؛‭ ‬لأن‭ ‬الإبداع‭ ‬لا‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الإملاءات،‭ ‬ولا‭ ‬يتشكل‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬اشتراطات‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حريته،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الفن‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعه‭ ‬لمحاربة‭ ‬العنصرية‭ ‬والتطرف،‭ ‬ولدعم‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ومساندة‭ ‬الحق‭ ‬والعدالة،‭ ‬وتوعية‭ ‬الناس،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬الفن‭ ‬وكل‭ ‬فنان‭ ‬حقيقي‭ ‬أنه‭ ‬يتحمل‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬إزاءها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬القيود‭ - ‬رغم‭ ‬نسبية‭ ‬نبل‭ ‬الأهداف‭ - ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬الإبداع،‭ ‬وسيقلل‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬ومستوى‭ ‬الأعمال‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬وإن‭ ‬تفوق‭ ‬البعض‭ ‬منها‭.‬

إننا‭ ‬جميعاً‭ ‬نرفض‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬كبشر‭ ‬عاديين‭ ‬مسالمين،‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬يمليه‭ ‬علينا‭ ‬ضميرنا،‭ ‬وإنسانيتنا،‭ ‬والقوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬نحن‭ ‬ضد‭ ‬التفرقة،‭ ‬وضد‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وبين‭ ‬الأعراق،‭ ‬وندعو‭ ‬إلى‭ ‬إشراك‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬ذوي‭ ‬الهمم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬ومناحيها،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والسينما‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وفقاً‭ ‬لاعتبارات‭ ‬إبداعية‭ ‬ودرامية،‭ ‬وليس‭ ‬بالفرض‭ ‬والإقحام،‭ ‬فأية‭ ‬كوتا‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬يراد‭ ‬أن‭ ‬يمتثل‭ ‬لأمرها‭ ‬المبدعون،‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬بمثابة‭ ‬انتزاع‭ ‬الريش‭ ‬من‭ ‬طير‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬لاحقاً‭ ‬التحليق‭ ‬عالياً‭ ‬وبرشاقة‭!.‬