ريشة في الهواء

عندما نقرأ ولا نقرأ!

| أحمد جمعة

رغم‭ ‬تنشيط‭ ‬الكتابة‭ ‬والتأليف‭ ‬بالساحة‭ ‬الخليجية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬والعربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬والنقد‭ ‬بحالة‭ ‬كسل‭ ‬وخمول،‭ ‬وكأني‭ ‬بجسم‭ ‬إنسان‭ ‬مريض‭ ‬ومن‭ ‬الخارج‭ ‬صحي،‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬حركة‭ ‬التأليف‭ ‬والنشر‭ ‬وحالة‭ ‬الكتابة‭ ‬والنقد‭ ‬المتراخية،‭ ‬وببعض‭ ‬التخوم‭ ‬ميتة‭ ‬سريريًا،‭ ‬رواية‭ ‬بحجم‭ ‬خيالي‭ ‬كرواية‭ ‬أولاد‭ ‬حارتنا‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬وترجمت‭ ‬لكلِّ‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬النشطة،‭ ‬بركنٍ‭ ‬مختلف‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬رائجة‭ ‬ومتداولة‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬القراء‭ ‬بالملايين‭.. ‬بأرض‭ ‬العرب‭ ‬اليابسة،‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬قراؤها‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف،‭ ‬وسيكون‭ ‬محفوظ‭ ‬محظوظًا‭ ‬بقبرهِ‭ ‬إن‭ ‬بلغه‭ ‬ذلك،‭ ‬ففي‭ ‬حياته‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬بهذا‭ ‬الطالع،‭ ‬كأن‭ ‬النحس‭ ‬يطارد‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬حظيت‭ ‬بنوبل،‭ ‬فالأصل‭ ‬بهذه‭ ‬الأمكنة‭ ‬المحاطة‭ ‬بالكسل‭ ‬الثقافي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نصيب‭ ‬القراءة‭ ‬محصورا‭ ‬بخانة‭ ‬المئات‭ ‬والمحظوظ‭ ‬بنوبل‭ ‬سيتخطى‭ ‬للآلاف‭.‬

عدد‭ ‬قراء‭ ‬محفوظ‭ ‬بدولة‭ ‬أوروبية‭ ‬واحدة‭ ‬تخطى‭ ‬عدد‭ ‬قراء‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بأسره،‭ ‬وهذا‭ ‬النحس‭ ‬الذي‭ ‬طارد‭ ‬كاتبا‭ ‬بحجم‭ ‬محفوظ‭ ‬ماذا‭ ‬تنتظر‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يلاحق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬وتجرأ‭ ‬وانجرف‭ ‬وكتب‭ ‬رواية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النحس‭ ‬وراءه‭ ‬القراء‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬مرغمين‭ ‬كتب‭ ‬الشعوذة‭ ‬والسحر‭ ‬وعذاب‭ ‬القبر‭ ‬والأبراج‭ ‬وكتيبات‭ ‬المعجنات،‭ ‬فما‭ ‬مبرر‭ ‬وحجة‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬اختطفوا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬غزاة‭ ‬فضائيين‭ ‬ليحجبوا‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬أقلامهم؟‭!‬

ابحث‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬وسترى‭ ‬أنه‭ ‬ليست‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬وحدهما‭ ‬المصابان‭ ‬بالنحس،‭ ‬فالعلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬والهندسة‭ ‬الوراثية،‭ ‬كلها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النحس،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬غزاة‭ ‬الكواكب‭ ‬الأخرى‭ ‬غاروا‭ ‬من‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬واختطفوا‭ ‬منا‭ ‬القراء‭ ‬والنقاد‭ ‬والعلماء‭ ‬وتركوا‭ ‬لنا‭ ‬صحراء‭ ‬قاحلة‭! ‬لا‭ ‬تنبتُ‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬ناطحات‭ ‬السحاب‭ ‬التي‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬حضارة‭ ‬عصرية‭ ‬تسابق‭ ‬إيقاع‭ ‬الزمن‭ ‬ولكنها‭ ‬تفتقد‭ ‬القراء‭ ‬والنقاد‭ ‬والوعي،‭ ‬صحيح‭ ‬أننا‭ ‬نقرأ‭... ‬لكننا‭ ‬هل‭ ‬نقرأ‭ ‬حقًا؟‭!‬

عندما‭ ‬تزعم‭ ‬أمة‭ ‬أنها‭ ‬برأس‭ ‬هرم‭ ‬الأمم‭ ‬المستنيرة،‭ ‬يستدعي‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬الكتاب‭ ‬والنقاد‭ ‬والقراء،‭ ‬أول‭ ‬علامات‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة،‭ ‬خذ‭ ‬مثالاً‭ ‬الهند‭ ‬التي‭ ‬رغم‭ ‬فقر‭ ‬بعض‭ ‬سكانها،‭ ‬لكنها‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬بالقراءة‭ ‬وعدد‭ ‬المكتبات‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬والنقاد‭ ‬وحركة‭ ‬الفكر‭ ‬وحيوية‭ ‬الجدل‭ ‬وليس‭ ‬الجفاف‭ ‬القسري‭ ‬بالثقافة‭ ‬رغم‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والثراء‭ ‬والرخاء،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬سوى‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬يتولاها‭ ‬موظفون‭ ‬عموميون‭ ‬نصفهم‭ ‬مهمتهم‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المطبوعات‭.‬

تقدم‭ ‬الثقافة‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مثلث،‭ ‬الكاتب‭ ‬والقارئ‭ ‬والناقد،‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية‭ ‬يوجد‭ ‬كتاب‭ ‬ولكن‭ ‬أصاب‭ ‬النحس‭ ‬القراء‭ ‬وانخسف‭ ‬النقاد،‭ ‬لذلك‭ ‬وحده‭ ‬الكتاب‭ ‬يسبح‭ ‬بالفضاء‭ ‬بحالةِ‭ ‬انعدام‭ ‬الوزن‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

إن‭ ‬عالما‭ ‬فيه‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المتدينين،‭ ‬ماذا‭ ‬تنتظر‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬فقدان‭ ‬البوصلة؟‭.‬