أثر القانون في دعم الاقتصاد

| د. عبدالقادر ورسمه

يلعب‭ ‬القانون،‭ ‬والأحكام‭ ‬القضائية‭ ‬الصادرة‭ ‬لتنفيذه،‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬واستقرار‭ ‬المجتمعات‭ ‬وفي‭ ‬تنظيم‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أحوال‭ ‬الناس‭. ‬وظل‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬مستمرًّا‭ ‬دون‭ ‬انقطاع،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬لحظات‭ ‬فاصلة‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬دور‭ ‬القانون‭ ‬والمحاكم‭ ‬أساسيًّا،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬سيذكر‭ ‬التاريخ‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬تاريخية‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬ستبقى‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭.‬

في‭ ‬هذا،‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬تعرض‭ ‬دول‭ ‬عدة‭ ‬في”منطقة‭ ‬اليورو”‭ ‬لنكسات‭ ‬اقتصادية‭ ‬بسبب‭ ‬أزمة‭ ‬الديون‭ ‬التي‭ ‬ألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬وظلت‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬استنفار‭ ‬لمساعدة‭ ‬الدول‭ ‬المنتكسة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الضائقة‭. ‬ولتحقيق‭ ‬الغرض‭ ‬بحثت‭ ‬“المفوضية‭ ‬الأوربية”‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬لتطبيقها‭. ‬ومنها،‭ ‬إنشاء‭ ‬اتحاد‭ ‬للمصارف‭ ‬الأوربية،‭ ‬تعيين‭ ‬مراقب‭ ‬عام‭ ‬للبنوك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو،‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬أهمها‭ ‬قانون‭ ‬“تنظيم‭ ‬آلية‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأوربي”‭ ‬وقانون‭ ‬“صندوق‭ ‬إغاثة‭ ‬دول‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬الديون”‭.‬

وتم‭ ‬اقتراح‭ ‬بدائل‭ ‬ضمنها‭ ‬إصدار‭ ‬هذه‭ ‬القوانين،‭ ‬ووافقت‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية،‭ ‬ولكن‭ ‬الوضع‭ ‬تعثر‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬لأن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬القوانين‭. ‬ورفعت‭ ‬الأمر‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬الألمانية‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬قناعتها‭ ‬بأن‭ ‬إصدار‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬يخالف‭ ‬الدستور‭ ‬الألماني‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬حكومات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬القوانين‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬ظلت‭ ‬مجمدة‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتراض‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬لمخالفتها‭ ‬للدستور‭. ‬ولكن‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬تقدمت‭ ‬بآرائها‭ ‬وحججها‭ ‬القانونية‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدستورية،‭ ‬وظلت‭ ‬أنفاس‭ ‬أوربا‭ ‬مكتومة‭ ‬لحين‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬إصدار‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬لا‭ ‬يخالف‭ ‬الدستور‭ ‬الألماني‭. ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬قرارا‭ ‬مدويا‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬ودخل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬التاريخ‭ ‬وأدخل‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬

تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬نواحي‭ ‬أولها‭ ‬تأكيد‭ ‬هوية‭ ‬ألمانيا‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬المتحدة‭ ‬وهذا‭ ‬تفسير‭ ‬متطور‭ ‬للدستور‭ ‬بما‭ ‬يتماشي‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬الاتحادي‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬النزعة‭ ‬الألمانية‭ ‬القديمة‭. ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فإن‭ ‬أهمية‭ ‬القرار‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬منح‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬لدعم‭ ‬الدول‭ ‬المحتاجة‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬بقاء‭ ‬ووجود‭ ‬الوحدة‭ ‬الأوربية‭. ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الحساس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليتم‭ ‬لولا‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬وتفسيرها‭ ‬للدستور‭ ‬الألماني‭ ‬بأن‭ ‬روحه‭ ‬ومفاهيمه‭ ‬وتطلعاته‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الوحدة‭ ‬الأوربية‭ ‬ويجب‭ ‬استمرار‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬وتنفيذ‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬والتشريعات‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭. ‬

المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬القرار‭ ‬قالت‭ ‬“إن‭ ‬هذا‭ ‬يوم‭ ‬عظيم‭ ‬لألمانيا‭ ‬وهو‭ ‬يوم‭ ‬عظيم‭ ‬لأوربا”‭ ‬وكذلك‭ ‬أشادت‭ ‬الحكومات‭ ‬والبورصات‭ ‬وأسواق‭ ‬المال‭ ‬بهذا‭ ‬القرار‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنه‭ ‬القرار‭ ‬القانوني‭ ‬“الدستوري”‭ ‬المنقذ‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬والحاسم‭ ‬لبقاء‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبشهادة‭ ‬ميلاد‭ ‬ممهورة‭ ‬بتوقيع‭ ‬القضاة‭ ‬الثمانية‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬الألمانية‭ ‬مما‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الوحدة‭ ‬الأوربية‭ ‬بمفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬تدعم‭ ‬اقتصاد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬اتجاهاته‭ ‬شرقيها‭ ‬وغربيها‭. ‬وهكذا،‭ ‬كلمة‭ ‬القانون‭. ‬