استثمار رأس المال الديني وإشهار سلاح التكفير

| عبدالنبي الشعلة

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يُظهر‭ ‬فيه‭ ‬قادة‭ ‬ومنظرو‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بجناحيه‭ ‬السني‭ ‬والشيعي‭ ‬اختلافهم،‭ ‬ويعملون‭ ‬على‭ ‬شق‭ ‬الصف‭ ‬الإسلامي‭ ‬واقتسامه،‭ ‬ونبش‭ ‬قبور‭ ‬الفتن،‭ ‬وتأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬والفرقة‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬الطائفتين‭ ‬حول‭ ‬أمور‭ ‬وقضايا‭ ‬فرعية‭ ‬وجانبية،‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬ما‭ ‬يجمعهم‭ ‬من‭ ‬تقاطع‭ ‬وتوافق‭ ‬وانسجام،‭ ‬واستعداد‭ ‬للتنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬واستثمار‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الديني‭ ‬وتجنيده‭ ‬وتطويعه‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراضهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬وأجنداتهم‭ ‬السياسية‭.‬

ولقد‭ ‬وقف‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ما‭ ‬أعلن‭ ‬عنه‭ ‬مؤخرًا‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬على‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬فيما‭ ‬بينهما،‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬قادة‭ ‬ومنظرو‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬بشقيه‭ ‬السني‭ ‬والشيعي،‭ ‬الذين‭ ‬عارضوا‭ ‬ولم‭ ‬يرق‭ ‬لهم‭ ‬قرار‭ ‬الإمارات‭ ‬لتعارضه‭ ‬وتناقضه‭ ‬الصارخ‭ ‬مع‭ ‬أهدافهم‭ ‬ودوافعهم،‭ ‬فاستنفروا‭ ‬قواهم،‭ ‬ووجهوا‭ ‬سهامهم‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬وشهروا‭ ‬كالعادة‭ ‬سلاحهم‭ ‬المفضل،‭ ‬وهو‭ ‬“سلاح‭ ‬التكفير”‭ ‬الذي‭ ‬يحل‭ ‬ويجيز‭ ‬القتل‭ ‬حسب‭ ‬تفاسيرهم،‭ ‬وأسندوا‭ ‬مواقفهم‭ ‬إلى‭ ‬اجتهادات‭ ‬وفتاوى‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬والعقل،‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬أبرز‭ ‬قيم‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬عبارة‭ ‬“السلام‭ ‬عليكم”‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬يحيي‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا،‭ ‬متناسين‭ ‬دعوة‭ ‬الخالق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لرسوله‭ ‬الكريم،‭ ‬وللإنسانية‭ ‬من‭ ‬خلاله؛‭ ‬للاستجابة‭ ‬لمبادرات‭ ‬السلام،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬فض‭ ‬النزاعات‭ ‬والخلافات‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬جلت‭ ‬قدرته‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭: ‬“وإن‭ ‬جنحوا‭ ‬للسلم‭ ‬فأجنح‭ ‬لها‭ ‬وتوكل‭ ‬على‭ ‬الله”‭ ‬ولم‭ ‬يستثن‭ ‬أحدًا‭ ‬ممن‭ ‬يجنح‭ ‬للسلم‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الاستجابة‭ ‬له،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬النداء‭ ‬الإلهي‭ ‬قاعدة‭ ‬بنيت‭ ‬عليها‭ ‬اليوم‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالأمن‭ ‬والسلم‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنظرين‭ ‬يظهرون‭ ‬الإسلام‭ ‬ويصورونه‭ ‬بأنه‭ ‬دين‭ ‬كراهية‭ ‬وعداوة،‭ ‬وإنه‭ ‬يتقصد‭ ‬ويترصد‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بعينها،‭ ‬فمن‭ ‬أبرز‭ ‬الاجتهادات‭ ‬والفتاوى‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬مؤخرا‭ ‬قولهم‭: ‬“إن‭ ‬الثقاة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الإسلام‭ ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كفر‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه،‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬صلح‭ ‬دائم‭ ‬مع‭ ‬اليهود”،‭ (‬راجع‭ ‬محاضرة‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬النفيسي‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬اليوتيوب‭)‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المتصالحة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تعاديها‭ ‬أو‭ ‬تحاربها‭  ‬“دور‭ ‬كفر”‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬الأحكام‭ ‬التي‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الكفر‭ ‬والحرب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مصر‭ ‬حاضنة‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬والأردن،‭ ‬والآن‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬اللتان‭ ‬ستخرجان‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬بلدان‭ ‬الإسلام‭ ‬والإيمان‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬بالذات‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المحركات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬التيارات‭ ‬المتطرفة‭.‬

ولا‭ ‬ندري‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الفتوى‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المظلوم،‭ ‬الذي‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬المسار‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬جهاده‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة،‭ ‬فوقع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬اليهود،‭ ‬حسب‭ ‬مفردات‭ ‬الجماعة،‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام،‭ ‬فهل‭ ‬أصبح‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬كفرة‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقتها‭ ‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993‭ ‬بحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬بيل‭ ‬كلنتون؟

ويا‭ ‬لازدواجية‭ ‬المعايير‭..! ‬فقد‭ ‬سكت‭ ‬وتغاضى‭ ‬منظرو‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬عمدًا‭ ‬وبسبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والترصد،‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬والصلح‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وإن‭ ‬مروا‭ ‬عليه،‭ ‬فهو‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬دافعوا‭ ‬عنه‭ ‬وبرروه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أنجز‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الكافر‭ ‬مصطفى‭ ‬أتاتورك،‭ ‬وتغافلوا‭ ‬عن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أتاتورك‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أعطاهم‭ ‬عمره‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬82‭ ‬عامًا،‭ ‬وأنهم‭ ‬قد‭ ‬تولوا‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2002‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬“حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية”‭ ‬برئاسة‭ (‬أمير‭ ‬المؤمنين‭) ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ (‬يصحح‭ ‬الخطأ‭ ‬أو‭ ‬الجريمة‭) ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬أتاتورك،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬حالة‭ ‬السلام‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬قد‭ ‬توسعت‭ ‬وازدهرت‭ ‬وازدادت‭ ‬تشعبًا‭ ‬ورسوخًا،‭ ‬ففي‭ ‬عهده‭ ‬وصل‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬إلى‭ ‬ذروته،‭ ‬فبلغ‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام،‭ ‬ونشطت‭ ‬شركات‭ ‬البناء‭ ‬والإعمار‭ ‬التركية‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬“يلماز”‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجمعات‭ ‬والأبراج‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬وصدرت‭ ‬تركيا‭ ‬ملايين‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬الاسمنت‭ ‬التركي‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لبناء‭ ‬المستوطنات‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬بنائها،‭ ‬وتضاعف‭ ‬عدد‭ ‬السياح‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هناك‭ ‬12‭ ‬رحلة‭ ‬طيران‭ ‬يوميًا‭ ‬بين‭ ‬اسطنبول‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭.‬

وفي‭ ‬عهد‭ ‬أردوغان‭ ‬توثق‭ ‬التعاون‭ ‬وقويت‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الأمنية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تركيا‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مستورد‭ ‬للأسلحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بعد‭ ‬الهند،‭ ‬ووصلت‭ ‬العلاقات‭ ‬العسكرية‭ ‬بينهما‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التحالف‭ ‬والتعاون‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬المراقبون‭ ‬المختصون‭.‬

وضمن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يؤكد‭ ‬المراقبون‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أردوغان‭ ‬يستشيط‭ ‬غضبا‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬الإمارات‭ ‬وإسرائيل‭ ‬إعلان‭ ‬تطبيع‭ ‬علاقتهما،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حرصه‭ ‬وغيرته‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬نابعًا‭ ‬من‭ ‬إدراكه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إجهاض‭ ‬خطط‭ ‬وجهود‭ ‬تركيا‭ ‬الساعية‭ ‬والهادفة‭ ‬إلى‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬شبيه‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬البحري‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬تركيا‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬فايز‭ ‬السراج‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬والذي‭ ‬تحاول‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬توسيع‭ ‬حدودها‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬بما‭ ‬يوفر‭ ‬لها‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬تكثيف‭ ‬عملياتها‭ ‬الاستكشافية‭ ‬للنفط‭ ‬والغاز،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رغبة‭ ‬تركيا‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لنقل‭ ‬الغاز‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬

رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬مهددًا‭ ‬بسحب‭ ‬سفيره‭ ‬من‭ ‬أبوظبي؛‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬نية‭ ‬الإمارات‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬نسي‭ ‬أو‭ ‬تناسى‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬تقيم‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كاملة‭ ‬معها‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬71‭ ‬عاما،‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1949،‭ ‬ونسي‭ ‬أنه‭ ‬وقف‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2004‭ ‬ليتقلد‭ ‬“وسام‭ ‬الشجاعة”‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬المؤتمر‭ ‬اليهودي‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬أقيم‭ ‬بتلك‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك،‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬“أتقدم‭ ‬بجزيل‭ ‬الشكر‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬منحني‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬كوسام‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬التركية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬اليهودية”،‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬التى‭ ‬تحظى‭ ‬بعضوية‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ستظل‭ ‬خلال‭ ‬حكومته‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أوثق‭ ‬حلفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬كما‭ ‬منحت‭ ‬“رابطة‭ ‬مكافحة‭ ‬التشهير‭ ‬اليهودية”‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي‭ ‬جائزة‭ ‬“الشجاعة‭ ‬اليهودية”‭.‬

أردوغان‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬قادة‭ ‬ومفكري‭ ‬الجماعات‭ ‬السياسية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بتحوير‭ ‬وتحريف‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬والوقائع‭ ‬الإسلامية‭ ‬واستخدامها‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراضهم‭ ‬وأهدافهم،‭ ‬ففي‭ ‬محاولتهم‭ ‬لتأكيد‭ ‬تحريم‭ ‬الصلح‭ ‬أو‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬اليهود،‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬والطعن‭ ‬في‭ ‬المعاهدات‭ ‬التي‭ ‬أبرمها‭ ‬رسولنا‭ ‬الأكرم‭ (‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭) ‬مع‭ ‬يهود‭ ‬يثرب‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬فتفتقت‭ ‬قريحتهم‭ ‬بنظرية‭ ‬أخرى‭ ‬وهي‭ ‬“جواز‭ ‬عقد‭ ‬صلح‭ ‬مؤقت‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬وتحريم‭ ‬الصلح‭ ‬الدائم‭ ‬معهم”،‭ ‬ذاكرين‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المعاهدات‭ ‬كانت‭ ‬“معاهدات‭ ‬مؤقتة‭ ‬أو‭ ‬اتفاقيات‭ ‬هدنة”‭ ‬وهذه‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المغالطات؛‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬يدركون‭ ‬ويعرفون‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعاهدات‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬البتة‭ ‬ضمن‭ ‬تعريف‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الهدنة،‭ ‬فالهدنة‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تسمى‭ ‬اليوم‭ ‬“وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار”‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬ويرغبان‭ ‬في‭ ‬توقيفها‭ ‬لفترة‭ ‬يتفقان‭ ‬عليها،‭ ‬والرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬عندما‭ ‬وقع‭ ‬تلك‭ ‬المعاهدات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬يهود‭ ‬يثرب‭ ‬حرب‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬اتفاقات‭ ‬مؤقتة،‭ ‬فهذه‭ ‬مغالطة‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬لفظ‭ ‬“مؤقتة”‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬إشارة‭ ‬لهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نص‭ ‬من‭ ‬نصوصها،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬لم‭ ‬يوقعها‭ ‬وهو‭ ‬يضمر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬نيته‭ ‬نقضها‭ ‬أو‭ ‬خرقها‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬أو‭ ‬خصال‭ ‬النبي‭ ‬الصادق‭ ‬الأمين‭.‬