مجلس الرئيس... وحدة الصف

| د. عبدالله الحواج

عندما‭ ‬تحدث‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬في‭ ‬مجالسه‭ ‬العتيدة‭ ‬عن‭ ‬وحدة‭ ‬الصف،‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬بدقة‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬انقسمت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وكان‭ ‬مصيرها‭ ‬الهلاك،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬يدرك‭ ‬مبكرًا‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التفاف‭ ‬الشعوب‭ ‬حوله،‭ ‬بل‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تدعيم‭ ‬مراكز‭ ‬ثقله‭ ‬بتنوير‭ ‬المواطنين‭ ‬وتعليمهم‭ ‬وتعميق‭ ‬مداركهم‭ ‬بأن‭ ‬القيادة‭ ‬المخلصة‭ ‬التي‭ ‬أدارت‭ ‬شئون‭ ‬الأوطان‭ ‬وشجون‭ ‬المواطنين‭ ‬لابد‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬الالتفاف‭ ‬حولها‭ ‬ومساعدتها‭ ‬على‭ ‬صون‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬وحماية‭ ‬الحدود‭ ‬والوجود‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬السجايا‭ ‬والمطارحات‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مقام‭ ‬التعاطي‭ ‬موقعًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬وصايا‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬للنخب‭ ‬المتفكرة‭ ‬كلما‭ ‬التقاها‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬المهيب‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التشرذم‭ ‬المُفضي‭ ‬إلى‭ ‬شق‭ ‬الصفوف‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬طالها‭ ‬فيروس‭ ‬إقحام‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬واستخدام‭ ‬الشريعة‭ ‬السمحة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مواضعها‭ ‬الواقعية‭ ‬وأدوارها‭ ‬السماوية،‭ ‬فهبطت‭ ‬من‭ ‬أعالي‭ ‬الروحانيات‭ ‬لتسقط‭ ‬في‭ ‬هاوية‭ ‬المصالح‭ ‬والمشاكسات،‭ ‬البعض‭ ‬يستخدم‭ ‬ذريعة‭ ‬المعتقد‭ ‬ليس‭ ‬لسد‭ ‬الذرائع‭ ‬الدنيوية‭ ‬إنما‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬سياسية،‭ ‬ومواقع‭ ‬ومكاسب‭ ‬شخصية‭.‬

وربما‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬سمعنا‭ ‬أن‭ ‬فسادًا‭ ‬قد‭ ‬أُسْتُشرِيَ‭ ‬وخلط‭ ‬الغث‭ ‬بالسمين‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬وطنية‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬التنصل‭ ‬من‭ ‬غاياتها‭ ‬المقدسة،‭ ‬ورسالتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخالصة،‭ ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الطائفية‭ ‬والمحاصصية‭ ‬وتقسيم‭ ‬المقسم‭ ‬إلى‭ ‬فتات‭ ‬دول‭ ‬وإلى‭ ‬تجمعات‭ ‬ذات‭ ‬أعلام‭ ‬ورايات‭ ‬مناهضة‭ ‬لأعلام‭ ‬ورايات‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي‭ ‬والأرض‭ ‬الطيبة‭.‬

أصبحت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مُرتَهَنة‭ ‬للخارج،‭ ‬ومُنصاعة‭ ‬لتيارات‭ ‬فكرية‭ ‬دخيلة،‭ ‬ورياح‭ ‬قوية‭ ‬مُعادية،‭ ‬وبمرور‭ ‬الوقت‭ ‬بهتت‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬وضاعت‭ ‬شخصيتها‭ ‬وسط‭ ‬أفكار‭ ‬وافدة،‭ ‬وشعارات‭ ‬زائفة،‭ ‬ومفاهيم‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬حريصًا‭ ‬أن‭ ‬نغلق‭ ‬جميع‭ ‬الأبواب‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬أمام‭ ‬الأفكار‭ ‬الشاذة‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وأن‭ ‬نقوي‭ ‬من‭ ‬دولتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬ونضع‭ ‬يدًا‭ ‬بيد‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬أطيافها‭ ‬وشرائحها‭ ‬المجتمعية‭ ‬نبذًا‭ ‬للتشرذم،‭ ‬ومقاومةً‭ ‬لفكر‭ ‬غريب،‭ ‬ودرءًا‭ ‬لخطر‭ ‬محدق‭.‬

المشروعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أهدافها،‭ ‬وتعدد‭ ‬نواياها،‭ ‬وتمدد‭ ‬أبصارها،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬بينها‭ ‬مشروعًا‭ ‬عربيًا‭ ‬في‭ ‬المواجهة،‭ ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬جلدتنا‭ ‬يصون‭ ‬ويصمد‭ ‬ويتصدى،‭ ‬السبب‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الكتل‭ ‬المتفكرة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬البحرينية‭ ‬المؤثرة‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تتناغم‭ ‬عروبيًا‭ ‬مع‭ ‬حالتنا‭ ‬الراهنة،‭ ‬هو‭ ‬ضعف‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬إقحامها‭ ‬في‭ ‬خلافات‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬وصراعات‭ ‬راديكالية،‭ ‬وأطماع‭ ‬حزبية‭ ‬ضيقة،‭ ‬قفزت‭ ‬الجماعات‭ ‬فوق‭ ‬هيمنة‭ ‬الدول،‭ ‬والمليشيات‭ ‬مكان‭ ‬جيوش‭ ‬الدفاع‭ ‬الباسلة،‭ ‬والأمة‭ ‬بمفهومها‭ ‬البعيد‭ ‬جدًا،‭ ‬مكان‭ ‬الوطن‭ ‬بجغرافيته‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬شرقًا‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬غربًا‭. ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬فكرة‭ ‬“خليفية”‭ ‬رائدة،‭ ‬وإحباطًا‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يفلت‭ ‬زمامه‭ ‬ويتسلل‭ ‬إلى‭ ‬أوطاننا‭ ‬خلسة‭ ‬أو‭ ‬عنوة‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬ثوابتنا‭ ‬المتأرجحة،‭ ‬ونبذ‭ ‬الفرقة‭ ‬والانقسام‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مبدأ‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬القسمة‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬معادلات،‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬اعتبارات،‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬دعوات‭ ‬لا‭ ‬تبني‭ ‬لكنها‭ ‬تُبدد،‭ ‬ولا‭ ‬تصون؛‭ ‬لأنها‭ ‬تُهدد‭.‬