ريشة في الهواء

الشيطان يكمن في التفاصيل!

| أحمد جمعة

كل‭ ‬الحوادث‭ ‬مبدأها‭ ‬من‭ ‬النظر‭... ‬ومعظم‭ ‬النار‭ ‬من‭ ‬مستصغر‭ ‬الشرر،‭ ‬كم‭ ‬نظرة‭ ‬فتكت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬صاحبها‭... ‬فتك‭ ‬السهام‭ ‬بلا‭ ‬قوس‭ ‬ولا‭ ‬وتر،‭ ‬والمرء‭ ‬مادام‭ ‬ذا‭ ‬عين‭ ‬يقلبها‭... ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الغيد‭ ‬موقوف‭ ‬على‭ ‬الخطر‭.‬

لا‭ ‬تستهن‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ولا‭ ‬تتهاون‭ ‬بالأمور‭ ‬الثانوية‭ ‬وتعتبرها‭ ‬تافهة‭ ‬وهامشية،‭ ‬فمن‭ ‬أصغر‭ ‬الشرر‭ ‬تشتعل‭ ‬الحرائق‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُدمر‭ ‬أوطانا‭ ‬وتشرد‭ ‬شعوبا،‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يلتفتون‭ ‬للأشياء‭ ‬العابرة‭ ‬أمامهم‭ ‬ويتركونها‭ ‬للقدر‭ ‬بحسب‭ ‬اعتقادهم،‭ ‬ثم‭ ‬يفاجأون‭ ‬بالزلزال‭ ‬فيعتبرون‭ ‬ذلك‭ ‬مصادفة،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬تفاصيل‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬مرَّت‭ ‬أمامهم‭ ‬وشاهدوها‭ ‬ولم‭ ‬يعيروها‭ ‬انتباهًا‭.‬

لو‭ ‬تأملنا‭ ‬مشاهد‭ ‬تمر‭ ‬أمامنا‭ ‬كلّ‭ ‬ساعة‭ ‬تمضي،‭ ‬سنرى‭ ‬مفارقات‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭ ‬بالذات،‭ ‬يساريون‭ ‬يتحالفون‭ ‬مع‭ ‬ولائيين،‭ ‬أصوليون‭ ‬يتفقون‭ ‬مع‭ ‬علمانيين،‭ ‬مثقفون‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالسحر‭ ‬والشعوذة،‭ ‬مستقلون‭ ‬ينطقون‭ ‬بلسان‭ ‬رسميين‭... ‬مفارقات‭ ‬تخلط‭ ‬أوراق‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتفرز‭ ‬تداعيات‭ ‬تلوث‭ ‬الحياة‭ ‬وتعرقل‭ ‬تقدم‭ ‬الإنسان،‭ ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬الوعي‭ ‬متدنيا‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نهتم‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬ونتركها‭ ‬للآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يشتغلون‭ ‬عليها‭ ‬ويحيلونها‭ ‬كوارث‭ ‬تمس‭ ‬حياتنا،‭ ‬فكم‭ ‬إنسانا‭ ‬رأى‭ ‬الخطأ‭ ‬يضرب‭ ‬بعينه‭ ‬بمكانٍ‭ ‬ما‭ ‬وردد‭ ‬داخله‭ ‬“هذا‭ ‬لا‭ ‬يعنيني”؟‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعنيه‭ ‬ولا‭ ‬يهمهُ‭ ‬هو‭ ‬بالحقيقة‭ ‬صلب‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬هو‭ ‬وغيره،‭ ‬لذلك‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لتنشيط‭ ‬العقل‭ ‬قبل‭ ‬القلب‭ ‬وتحفيز‭ ‬التفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬وعدم‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬النسيان‭.‬

لماذا‭ ‬النسيان‭ ‬بهذه‭ ‬الخطورة؟‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬يعمينا‭ ‬عن‭ ‬تعلم‭ ‬الدروس،‭ ‬انظروا‭ ‬كيف‭ ‬تحولت‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬علمانية‭ ‬مسالمة‭ ‬تحترم‭ ‬جيرانها‭ ‬وتتعامل‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭ ‬بحضاريةٍ‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬إخوانية‭ ‬تهدد‭ ‬سلامة‭ ‬الجميع‭! ‬انظروا‭ ‬كيف‭ ‬صارت‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬عضيدة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مهددة‭ ‬لسلامة‭ ‬المنطقة؟

مشكلتنا‭ ‬بالبداية‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نهتم‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬ولا‭ ‬نتأمل‭ ‬ونرصد‭ ‬التغيرات‭ ‬الصغيرة‭ ‬بسلوك‭ ‬الآخرين‭ ‬بالحوادث‭ ‬التي‭ ‬تقع،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اتسعت‭ ‬رقعة‭ ‬الخطر،‭ ‬انتفضنا‭ ‬وشعرنا‭ ‬بالتهديد،‭ ‬حياتنا‭ - ‬أفرادا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ودولا‭ - ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬مكمن‭ ‬الخطر‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬قائمًا‭ ‬ويهدد‭ ‬مصيرنا‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬تقدمنا‭.‬

عِبارات‭ ‬“هذا‭ ‬لا‭ ‬يعنيني”‭ ‬وهذا‭ ‬تفصيل‭ ‬وهذا‭ ‬فوق‭ ‬طاقتي،‭ ‬ودع‭ ‬الأمر‭ ‬لصاحب‭ ‬الأمر،‭ ‬حتى‭ ‬تحوّلنا‭ ‬إلى‭ ‬مخلوقات‭ ‬صماء‭ ‬بكماء‭ ‬متراخية‭ ‬في‭ ‬عصرٍ‭ ‬إيقاعه‭ ‬السرعة‭ ‬والإنجاز‭ ‬والإبداع‭ ‬وتحمل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬بحياتنا‭ ‬العربية‭ ‬سياسيًا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬ودينيًا،‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬الراهن،‭ ‬كأننا‭ ‬فجوة‭ ‬انعدام‭ ‬الوزن‭.‬

تنويرة‭: ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬شعبٍ‭ ‬ازرع‭ ‬بصفوفه‭ ‬الجهلة‭ ‬واجعلهم‭ ‬يقودونه‭.‬