سوالف

صوم الدهر كله عن الوطنية

| أسامة الماجد

مثلما‭ ‬يكون‭ ‬الكتاب‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمام‭ ‬العيون‭ ‬والأصابع،‭ ‬تكون‭ ‬خيانة‭ ‬الأوطان‭ ‬كذلك،‭ ‬ولغاية‭ ‬اللحظة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬يعيش‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬أقبية‭ ‬الخيانة‭ ‬وقبور‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬بكل‭ ‬الطقوس‭ ‬والمناخات،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬خيانتهم‭ ‬أصبحت‭ ‬كرائحة‭ ‬الملابس‭ ‬القديمة‭ ‬والمستنقعات،‭ ‬ومازالت‭ ‬أنفاسهم‭ ‬النتنة‭ ‬تأتينا‭ ‬كعنق‭ ‬مكسور‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الإرهابية‭ ‬المعروفة‭ ‬بفتح‭ ‬صنبور‭ ‬التخريب‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬وطننا،‭ ‬وتشترى‭ ‬لهم‭ ‬أكفان‭ ‬السماء‭ ‬الخائنة،‭ ‬وتحركهم‭ ‬كدمى‭ ‬محطمة،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يركضون‭ ‬كالطفل‭ ‬وراء‭ ‬“ملالي‭ ‬طهران”‭ ‬ويصرخون‭.. ‬“هلا‭ ‬بالخيانة‭ ‬هلا”‭.‬

أحدهم‭ ‬بدأ‭ ‬يشعل‭ ‬بوق‭ ‬الكذب‭ ‬والافتراءات،‭ ‬ودخان‭ ‬الخيانة‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬المحروق،‭ ‬وأخذ‭ ‬يثرثر‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أحد‭ ‬الشوارع‭ ‬المعروفة‭ ‬هناك،‭ ‬يصعد‭ ‬ويهوي‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬ويقول‭ ‬كلاما‭ ‬فارغا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬صوم‭ ‬الدهر‭ ‬كله‭ ‬عن‭ ‬الوطنية‭ ‬وحب‭ ‬البلاد،‭ ‬ولا‭ ‬يتردد‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التغريدات‭ ‬المسيئة،‭ ‬وكأنه‭ ‬يحمل‭ ‬تحت‭ ‬ابطيه‭ ‬مجلدين‭ ‬ضخمين،‭ ‬أحدهما‭ ‬بالعربية‭ ‬والآخر‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬عن‭ ‬الخيانة‭ ‬والتطاول‭ ‬على‭ ‬الأوطان‭.‬

للمفكر‭ ‬والباحث‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬حافظ‭ ‬الجمالي‭ ‬تعبير‭ ‬جميل‭ ‬عن‭ ‬الوطنية‭ ‬وأمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭: ‬“ما‭ ‬أسهل‭ ‬أن‭ ‬يحب‭ ‬الإنسان‭ ‬بلاده،‭ ‬وأن‭ ‬يحب‭ ‬مواطنيه،‭ ‬وأن‭ ‬يحرص‭ ‬عليهم‭ ‬ويتمنى‭ ‬لهم‭ ‬الخير،‭ ‬ويفرح‭ ‬لفرحهم‭ ‬ويبتئس‭ ‬لبؤسهم،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬أسهل‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يحب‭ ‬الإنسان‭ ‬الخير‭ ‬للناس‭ ‬جميعا،‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭... ‬أما‭ ‬أن‭ ‬تنقلب‭ ‬الآية،‭ ‬ويكره‭ ‬أحدهم‭ ‬بلاده،‭ ‬فهذه‭ ‬حالة‭ ‬مرضية‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬وراءها‭ ‬عقدة‭ ‬نفسية،‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬غير‭ ‬المحللين‭ ‬النفسيين،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬معرفتها،‭ ‬والخيانة‭ ‬الصريحة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تكره‭ ‬بلدك،‭ ‬وتحب‭ ‬البلد‭ ‬الأجنبي،‭ ‬وتفضل‭ ‬مصلحة‭ ‬هذا‭ ‬الأخير،‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬بلدك،‭ ‬وتضع‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأجنبي‭ ‬ضد‭ ‬بلدك‭. ‬الشعور‭ ‬الوطني‭ ‬عاطفة‭ ‬طبيعية،‭ ‬حتى‭ ‬لكأنها‭ ‬العاطفة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الأب‭ ‬بأبنائه،‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬بأولادها”‭.‬

بالفعل‭.. ‬الشعور‭ ‬الوطني‭ ‬عاطفة‭ ‬طبيعية،‭ ‬ولكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يكتبون‭ ‬خيانة‭ ‬الوطن‭ ‬بفرحة‭ ‬رومانسية‭.‬