حديث ماذا لو يحدث

| د.حورية الديري

من‭ ‬أجمل‭ ‬أحاديث‭ ‬التفكير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتمركز‭ ‬حول‭ ‬حدث‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬محدد‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬واقعية‭ ‬وفق‭ ‬التناغم‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬الحدث‭ ‬ذاته،‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬تنطلق‭ ‬فنون‭ ‬التفكير‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬ومخرجاتها‭ ‬التي‭ ‬تزين‭ ‬الحياة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭... ‬هذا‭ ‬يحصل‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مثالي،‭ ‬لكن‭ ‬والعتب‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬البشر،‭ ‬وبسبب‭ ‬ازدحام‭ ‬العلاقات‭ ‬والتفكير‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬فإننا‭ ‬قد‭ ‬نغرق‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬لا‭ ‬أمان‭ ‬له،‭ ‬وقد‭ ‬نصاب‭ ‬بدوار‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تتلاطم‭ ‬كالأمواج‭ ‬العاتية،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تخرج‭ ‬فكرة‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬معها‭ ‬حديث،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬غيره‭ ‬وغيره‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الحديث‭ ‬الأول،‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬بارعون‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬متكاملة‭ ‬للأحداث‭ ‬قبل‭ ‬حدوثها،‭ ‬وقد‭ ‬نصنع‭ ‬أحداثا‭ ‬جديدة‭ ‬لأحداث‭ ‬مضت‭ ‬وأحداث‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬أصلاً‭.‬

في‭ ‬اعتقادي‭ ‬كباحثة‭ ‬مهتمة‭ ‬بعلاقات‭ ‬البشر،‭ ‬حيث‭ ‬أرى‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬أبدًا،‭ ‬لكن‭ ‬بإمكاننا‭ ‬توجيه‭ ‬التفكير‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬الشخصية‭ ‬ويجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬وثباتا،‭ ‬حيث‭ ‬يصعب‭ ‬علينا‭ ‬رسم‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬غدًا‭ ‬بالتفصيل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬قمنا‭ ‬بالتخطيط‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬كنت‭ ‬تخطط‭ ‬لاجتماع‭ ‬معين‭ ‬وبدأت‭ ‬الاستعداد‭ ‬التام‭ ‬لما‭ ‬ستقول‭ ‬وتقترح،‭ ‬ثم‭ ‬أشبعت‭ ‬نفسك‭ ‬بحديث‭: ‬“ماذا‭ ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬الحديث‭ ‬بطلاقة،‭ ‬وقد‭ ‬أرتبك‭ ‬أثناء‭ ‬الحديث‭ ‬ويحمر‭ ‬وجهي،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬نظر‭ ‬إلي‭ ‬الجميع‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أكمل‭ ‬فكرتي”‭! ‬

وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬هناك‭ ‬حوار‭ ‬جميل‭ ‬وراق‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬“الحمد‭ ‬لله‭ ‬لدي‭ ‬الثقة‭ ‬التامة‭ ‬فيما‭ ‬سأكون‭ ‬عليه‭ ‬غدًا،‭ ‬وأنا‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬سأطرحها‭ ‬وحتمًا‭ ‬سيكون‭ ‬اجتماعا‭ ‬ثريا”،‭ ‬هكذا‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ،‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬تحت‭ ‬قيادتك‭... ‬فإما‭ ‬إن‭ ‬تعتاد‭ ‬نمط‭ ‬الحديث‭ ‬الأول‭ ‬وتزداد‭ ‬لديك‭ ‬الأحاديث‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬لمختلف‭ ‬الأمور‭ ‬فتصاب‭ ‬بدوار‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تجعلك‭ ‬بعيدًا‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬تعيش‭ ‬عالم‭ ‬الافتراضات‭ ‬التي‭ ‬تصدمك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواقف‭ ‬والعلاقات،‭ ‬فتبدأ‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬المشكلات‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية‭ ‬التي‭ ‬ترهقك‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬صحتك‭ ‬وعلاقاتك،‭ ‬فتزدحم‭ ‬بك‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬أنك‭ ‬تركز‭ ‬بكل‭ ‬واقعية‭ ‬في‭ ‬أحاديثك‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬حتى‭ ‬تبني‭ ‬بك‭ ‬شخصية‭ ‬مقاومة‭ ‬لمفاجآت‭ ‬الأمواج‭ ‬كيفما‭ ‬صارت،‭ ‬وتكون‭ ‬ممن‭ ‬لو‭ ‬حدث‭ ‬نفسه‭ ‬بأي‭ ‬حديث‭ ‬مواجهًا‭ ‬“لو”‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬والتي‭ ‬ستحصل،‭ ‬والتي‭ ‬لن‭ ‬تحصل‭... ‬فتكون‭ ‬لديك‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬صدق‭ ‬“حديث‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬يحدث”‭.‬