من الملف العتيد

| د. عبدالله الحواج

مرة‭ ‬أخرى‭.. ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الملف‭ ‬العتيد،‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬المهيب‭ ‬لسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬كيف‭ ‬كان؟‭ ‬ماذا‭ ‬دارت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أطروحات؟‭ ‬من‭ ‬حوارات‭ ‬وطنية،‭ ‬ومناقشات‭ ‬فكرية؟

هل‭ ‬كان‭ ‬الارتباط‭ ‬وثيقًا‭ ‬بقضايا‭ ‬أمة؟‭ ‬أم‭ ‬بشجون‭ ‬وطن؟‭ ‬بعناصر‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬دولة؟‭ ‬أم‭ ‬بماضٍ‭ ‬وحاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬إقليم؟‭ ‬هل‭ ‬عروتنا‭ ‬الوثقى‭ ‬مازالت‭ ‬على‭ ‬حالها‭.. ‬عميقة،‭ ‬أصيلة،‭ ‬مواكبة؟‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬العقد‭ ‬قد‭ ‬انفرط،‭ ‬والمسبحة‭ ‬قد‭ ‬ووريت‭ ‬الثرى،‭ ‬والمأذنة‭ ‬ضلت‭ ‬طريق‭ ‬القِبلة؟

من‭ ‬محاسن‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬مرورها‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬زجاجة‭ ‬مرحلة‭ ‬بعد‭ ‬الأخرى،‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬ما‭ ‬ينأى‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬مهاترات‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬حضاري‭ ‬قد‭ ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وعي‭ ‬قادتها‭ ‬وإيمان‭ ‬شعبها‭ ‬بأن‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭ ‬لا‭ ‬تصفق،‭ ‬وأن‭ ‬الأمة‭ ‬المنقسمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬إلا‭ ‬مصيرًا‭ ‬كارثيًا،‭ ‬وأن‭ ‬الدولة‭ ‬المرتهنة‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بأحلك‭ ‬الظروف‭ ‬وأشرس‭ ‬المنقلبات‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬حرص‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬العتيد‭ ‬مكتظ‭ ‬بالتوجيهات‭ ‬السديدة‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬وحدة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬الذي‭ ‬كافح‭ ‬التمييز‭ ‬وانتصر‭ ‬على‭ ‬الطائفية‭ ‬والفئوية‭ ‬والمناطقة،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬لديمقراطية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬العدل،‭ ‬ولحريات‭ ‬صنوانها‭ ‬احترام‭ ‬الآخر‭ ‬وصون‭ ‬حريته‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬خصوصيته‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬ومن‭ ‬الملف‭ ‬العتيد‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكنوز‭ ‬التي‭ ‬تهيئ‭ ‬لنا‭ ‬سبيل‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬وتضيف‭ ‬لمراحل‭ ‬تطورنا‭ ‬ذلك‭ ‬الإيمان‭ ‬المفعم‭ ‬بالوطنية‭ ‬الخالصة‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬المدجج‭ ‬بمنجزات‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليها،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬مخارج‭ ‬ألفاظها‭ ‬أو‭ ‬منطلقات‭ ‬سلوكياتها،‭ ‬أو‭ ‬أدبيات‭ ‬يمكن‭ ‬تعديل‭ ‬زوايا‭ ‬رؤيتها‭ ‬إذا‭ ‬حسنت‭ ‬النوايا‭ ‬وصدقت‭ ‬الرؤى،‭ ‬وصُفيت‭ ‬النفوس‭.‬

الملف‭ ‬العتيد‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الكريم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬وطن،‭ ‬وفصيل‭ ‬مرتبط‭ ‬بحركة‭ ‬تاريخ،‭ ‬وصيرورة‭ ‬مجتمع،‭ ‬وعمادة‭ ‬قبول‭ ‬بالآخر‭.‬

علومنا‭ ‬هي‭ ‬عادتنا،‭ ‬وفنوننا‭ ‬هي‭ ‬تقاليدنا،‭ ‬وآدابنا،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬نستمع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نتكلم،‭ ‬وأن‭ ‬نرى‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نشاهد،‭ ‬وأن‭ ‬نحتفي‭ ‬بالضيف‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتوق‭ ‬في‭ ‬مقصده‭ ‬إلينا‭ ‬بالحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬أو‭ ‬بالطلب‭ ‬العاجل‭.‬

مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بخير،‭ ‬جنة‭ ‬من‭ ‬جنان‭ ‬الخالق‭ ‬عزّ‭ ‬وجل،‭ ‬وبوصلة‭ ‬تنوير‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬سجايا‭ ‬أمتها‭ ‬نورًا‭ ‬بعد‭ ‬نور،‭ ‬وخلقًا‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صور‭ ‬الخالق،‭ ‬وعزًا‭ ‬في‭ ‬أقدس‭ ‬بقاع‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬بالثمرات‭ ‬فأنبتت‭ ‬في‭ ‬“كل‭ ‬سنبلة‭ ‬مائة‭ ‬حبة”‭.‬

مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وملفاتها،‭ ‬المجلس‭ ‬العتيد‭ ‬وأطروحاته‭ ‬المتفكرة،‭ ‬ملكها‭ ‬ورئيس‭ ‬وزرائها‭ ‬وولي‭ ‬عهدها‭ ‬وقادتها‭ ‬المتعاقبون،‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬أمة،‭ ‬وأثر‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬عين‭ ‬لكل‭ ‬مرتقبٍ‭ ‬عزيز،‭ ‬ولكل‭ ‬طالبٍ‭ ‬مُجد،‭ ‬ولكل‭ ‬أمل‭ ‬نسعى‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬نقيم‭ ‬صروحنا‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬ارتكاز‭ ‬ثرية‭ ‬بأصل‭ ‬المعتقد،‭ ‬وجذور‭ ‬المرتجى،‭ ‬ونُبل‭ ‬المحتوى‭.‬