قطب ونجيب محفوظ

| رضي السماك

كثيرة‭ ‬هي‭ ‬المقالات‭ ‬والكتب‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬عبارة‭ ‬“الطريق‭ ‬إلى‭ ‬نوبل‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬الحارة”‭ ‬عنواناً‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬1988؛‭ ‬لكن‭ ‬لعل‭ ‬الكثيرين‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬منظّر‭ ‬“الإخوان‭ ‬المسلمين”‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اكتشف‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬إبداعات‭ ‬محفوظ‭ ‬الروائية‭ ‬الأولى،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الصحافة‭ ‬تتجاهلها؛‭ ‬فهل‭ ‬يصح‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬نوبل‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬سيد‭ ‬قطب؟‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الرجل‭ ‬حينها‭ ‬كما‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬بتلك‭ ‬النهاية‭ ‬المأساوية‭ ‬حين‭ ‬أعدم‭ ‬لتورطه‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬إخواني‭ ‬إرهابي‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه‭ ‬1964،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كاتباً‭ ‬منفتحاً‭ ‬على‭ ‬مباهج‭ ‬الحياة‭ ‬ووسطياً‭ ‬إسلامياً‭ ‬معتدلاً،‭ ‬وكان‭ ‬مغرماً‭ ‬بكتابات‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وعباس‭ ‬العقاد‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬كتّاب‭ ‬مصر‭ ‬المستنيرين‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬بعثة‭ ‬لأميركا‭ ‬عشية‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬التي‭ ‬أيّدها‭ ‬بقوة‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكاناً‭ ‬فيها‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يطمح،‭ ‬فانضم‭ ‬للإخوان‭ ‬وتورط‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬1954‭. ‬

ورغم‭ ‬الخلاف‭ ‬الجذري‭ ‬بين‭ ‬أفكار‭ ‬قطب‭ ‬ومحفوظ،‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬الأخير‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أعماله‭ ‬الأولى؛‭ ‬فقرر‭ ‬زيارته‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬بحلوان‭ ‬إثر‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه،‭ ‬وعن‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭ ‬محفوظ‭: ‬“لقد‭ ‬رأيت‭ ‬أمامي‭ ‬إنساناً‭ ‬آخر‭ ‬حاد‭ ‬الفكر‭ ‬متطرف‭ ‬الرأي‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الجاهلية‭ ‬الأولى‭ ‬وأنه‭ ‬مجتمع‭ ‬كافر‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تقويمه‭ ‬بتطبيق‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الحاكمية،‭ ‬وسمعت‭ ‬منه‭ ‬آراءه‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬جدل‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬حولها،‭ ‬فماذا‭ ‬يفيد‭ ‬الجدل‭ ‬مع‭ ‬رجل‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الاعتقاد‭ ‬المتعصب”،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬اُصيب‭ ‬بـ‭ ‬“صدمة‭ ‬شديدة‭ ‬وهزة‭ ‬عنيفة”‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬بتنفيذ‭ ‬حكم‭ ‬الإعدام‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬بتهمة‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬ببرنامج‭ ‬إرهابي‭ ‬جديد‭. ‬ليس‭ ‬قطب‭ ‬الحالة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الارتداد‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬المستنير‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬الظلامي‭ ‬المتعصب،‭ ‬فعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬يعج‭ ‬بمئات‭ ‬الحالات‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين‭ ‬وبينهم‭ ‬علمانيون،‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬لدراسات‭ ‬تكشف‭ ‬أسبابها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭.‬