سوالف

الحياة فيها صلاة الفجيعة وأغاني الأفراح والأعراس

| أسامة الماجد

يروى‭ ‬أن‭ ‬شابا‭ ‬أحب‭ ‬العلم‭ ‬وآثره‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬أخذ‭ ‬يتلقی‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يضيفه‭ ‬إلى‭ ‬علمه،‭ ‬فأخذ‭ ‬يسأل‭ ‬أين‭ ‬يجد‭ ‬أعظم‭ ‬عالم‭ ‬حكيم‭ ‬لكي‭ ‬يرحل‭ ‬إليه‭ ‬ويتتلمذ‭ ‬على‭ ‬يديه،‭ ‬وعرف‭ ‬أخيرا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الحكيم‭ ‬العظيم‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬العالم،‭ ‬فأعد‭ ‬العدة‭ ‬للرحيل‭ ‬إليه،‭ ‬وخلال‭ ‬رحلته‭ ‬الطويلة‭ ‬الشاقة‭ ‬تعرض‭ ‬لأخطار‭ ‬كثيرة‭ ‬كادت‭ ‬تحول‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬غايته،‭ ‬لكنه‭ ‬بفضل‭ ‬العزيمة‭ ‬الصادقة‭ ‬والإرادة‭ ‬القومية‭ ‬تغلب‭ ‬عليها‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬الأستاذ‭ ‬الحكيم‭ ‬الذي‭ ‬دلوه‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬روى‭ ‬له‭ ‬قصته،‭ ‬فسأله‭ ‬الحكيم‭: ‬ماذا‭ ‬تعلمت‭ ‬أيها‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬رحلتك‭ ‬الطويلة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬وحتى‭ ‬وصولك‭ ‬إلى‭ ‬هنا؟‭ ‬فقال‭ ‬الشاب‭: ‬تعلمت‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬أعظم‭ ‬معلم‭ ‬للإنسان،‭ ‬فقد‭ ‬عانيت‭ ‬في‭ ‬رحلتي‭ ‬إليك‭ ‬وكدت‭ ‬لا‭ ‬أصل‭. ‬فابتسم‭ ‬الحكيم‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬إذا‭.. ‬فقد‭ ‬تلقيت‭ ‬أعظم‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وليس‭ ‬عندي‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬لكي‭ ‬أعطيك‭ ‬إياه‭.‬

إذا‭ ‬تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬تحررنا‭ ‬من‭ ‬أصفاد‭ ‬الحزن‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مؤلما،‭ ‬فالحياة‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الزخرفة‭ ‬وباقات‭ ‬الزهور‭ ‬والصور،‭ ‬والظلمات‭ ‬والضياء‭ ‬وفارس‭ ‬الحب‭ ‬والحزن،‭ ‬وذكريات‭ ‬الأحبة‭ ‬وبوابات‭ ‬المساء،‭ ‬ومرافئ‭ ‬الحلم‭ ‬وشموس‭ ‬الأمل،‭ ‬ومذاق‭ ‬الغربة،‭ ‬والضحكة‭ ‬الدافئة،‭ ‬والساخرة،‭ ‬والوجوه‭ ‬الكاحلة‭ ‬البكماء‭ ‬التي‭ ‬تطاردنا‭ ‬بأعينها‭ ‬المفقوءة‭ ‬كعيون‭ ‬بومة‭ ‬مات‭ ‬فيها‭ ‬البريق،‭ ‬وفيها‭ ‬الكلمات‭ ‬الحنونة‭ ‬المخادعة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬شيئا‭ ‬سوى‭ ‬لحظة‭ ‬وصال،‭ ‬وفيها‭ ‬أيضا‭ ‬صلاة‭ ‬الفجيعة‭ ‬وأغاني‭ ‬الأفراح‭ ‬والأعراس‭.‬

حياتنا‭ ‬تنزع‭ ‬جلدها‭ ‬مثلما‭ ‬تنزع‭ ‬الأفعى‭ ‬جلدها،‭ ‬فكل‭ ‬يوم‭ ‬تغطي‭ ‬سماء‭ ‬الإنسان‭ ‬أجنحة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬وطريق‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يغني‭ ‬أغنية‭ ‬الابتهال‭ ‬عليه‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الموعودة‭ ‬بالبكاء‭ ‬والفرح،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬قويا‭ ‬كعيون‭ ‬الضياء،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬الأحياء‭ ‬والأموات‭ ‬وغير‭ ‬مستوعب‭ ‬أصلا‭ ‬لسير‭ ‬الزمن،‭ ‬وسيطول‭ ‬سفره‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قدوم‭ ‬أو‭ ‬رجعة‭.‬

 

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬أبولونير‭: ‬

“الغريق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬التجارب”‭.‬