ستة على ستة

مأساة “كوفيد 19” وإمكانية التحول لإرث إيجابي

| عطا السيد الشعراوي

تكثر‭ ‬التوقعات‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬وتتزايد‭ ‬الآراء‭ ‬والتحليلات‭ ‬حول‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬سيبدو‭ ‬فيه‭ ‬عالمنا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”،‭ ‬ويغلب‭ ‬عليها‭ ‬التشاؤم‭ ‬والتخوف‭ ‬مما‭ ‬ينتظرنا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بمختلف‭ ‬الأصعدة‭ ‬وتجاهل‭ ‬الجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬أو‭ ‬كيفية‭ ‬تحويل‭ ‬السلبيات‭ ‬لإيجابيات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬حين‭ ‬استطلعت‭ ‬آراء‭ ‬ثلاثة‭ ‬خبراء‭ ‬من‭ ‬مشارب‭ ‬مختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬المؤرخ‭ ‬البروفيسور‭ ‬يوفال‭ ‬نوح‭ ‬هراري‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يمر‭ ‬بلحظة‭ ‬أمنية‭ ‬فاصلة‭ ‬قد‭ ‬تمهد‭ ‬لتغييرات‭ ‬كبرى،‭ ‬بسبب‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المراقبة‭ ‬وتحول‭ ‬الحكومات‭ ‬والشركات‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ (‬أي‭ ‬تحركاته‭ ‬وسلوكياته‭ ‬واهتماماته‭) ‬إلى‭ ‬مراقبته‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬داخل‭ ‬أجسادنا‭ ‬ومشاعرنا‭ ‬وأحاسيسنا،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬فرصة‭ ‬مثالية‭ ‬لخلق‭ ‬رعاية‭ ‬صحية‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬كونه‭ ‬يتيح‭ ‬للحكومات‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬بها‭ ‬وبأعراضها،‭ ‬لكنه‭ ‬أيضًا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬لأنظمة‭ ‬شمولية‭ ‬تحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬خارجيا‭ ‬وداخليا‭. ‬الخبيرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ريبيكا‭ ‬جرينسبان‭ ‬توقعت‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المتوسط‭ ‬بشدة‭ ‬وهي‭ ‬تمثل‭ ‬75‭ % ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬و62‭ % ‬من‭ ‬فقرائه،‭ ‬ولديها‭ ‬أنظمة‭ ‬حمائية‭ ‬صحية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أضعف،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬نسبة‭ ‬المعرضين‭ ‬للخطر‭ ‬أعلى،‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إيلاء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والرعاية‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭.‬

أما‭ ‬عالم‭ ‬البيئة‭ ‬البروفيسور‭ ‬جاريد‭ ‬دايموند،‭ ‬فقد‭ ‬أعرب‭ ‬عن‭ ‬أمله‭ ‬بأن‭ ‬تترك‭ ‬مأساة‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬إرثا‭ ‬إيجابيا‭ ‬بتبني‭ ‬العالم‭ ‬حملة‭ ‬ناجحة‭ ‬وبمناهج‭ ‬عالمية‭ ‬واضحة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬كورونا‭ ‬كشر‭ ‬واضح‭ ‬يقتل‭ ‬الناس‭ ‬بسرعة،‭ ‬لكن‭ ‬أيضًا‭ ‬ضد‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للإهمال‭ ‬رغم‭ ‬خطورتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬مثل‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭. ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬ستكون‭ ‬مرحلة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬شكل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والحكومات،‭ ‬فالدول‭ ‬التي‭ ‬أبلت‭ ‬بلاءً‭ ‬حسنًا‭ ‬ووضعت‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬المواطن‭ ‬أولاً‭ ‬ستجني‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬وسياساتها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬مرحلة‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬شكل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬التجارية‭ ‬والصحية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وربما‭ ‬تتلاشى‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬أعلت‭ ‬الأرباح‭ ‬والمكاسب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الشعوب‭ ‬والبشر‭.‬