لقطة

عاشوراء وكورونا

| أحمد كريم

تتصاعد‭ ‬هواجس‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تفاقم‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬بسبب‭ ‬التجمعات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬البلاد‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬استشهاد‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬محرم،‭ ‬وثمة‭ ‬من‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتضاعف‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬ستعلنها‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬الإصابات‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المناسبة‭.‬

لكن،‭ ‬من‭ ‬تابع‭ ‬تطبيق‭ ‬المآتم‭ ‬والحسينيات‭ ‬لإجراءات‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتنظيم‭ ‬مسيرات‭ ‬ومجالس‭ ‬التعزية،‭ ‬ربما‭ ‬يتدارك‭ ‬مخاوفه‭ ‬المشروعة‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الاطمئنان،‭ ‬فهناك‭ ‬وعي‭ ‬كبير‭ ‬لدى‭ ‬أرباب‭ ‬المآتم‭ ‬والحسينيات‭ ‬يعززه‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬البحرين‭ ‬لمكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬لإقامة‭ ‬الفعاليات‭ ‬الدينية‭ ‬وفق‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬سلامة‭ ‬الجميع‭.‬

وعلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬التي‭ ‬تستقطب‭ ‬جموعا‭ ‬غفيرة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬اختبارا‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الفتح‭ ‬الكامل‭ ‬لجميع‭ ‬القطاعات‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬من‭ ‬مرافق‭ ‬خدمية‭ ‬وتجارية،‭ ‬وسوف‭ ‬تكون‭ ‬نتائج‭ ‬عاشوراء‭ ‬مؤشرا‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬تؤول‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل‭ ‬بوصفه‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬حددته‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬برئاسة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬لاستئناف‭ ‬الحياة‭ ‬شبهة‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭.‬

لقد‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬الجائحة‭ ‬نحو‭ ‬6‭ ‬أشهر،‭ ‬وشهدت‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬إغلاق‭ ‬شبه‭ ‬كلي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬التدرج‭ ‬نحو‭ ‬الفتح‭ ‬الحذر،‭ ‬ومن‭ ‬المؤمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬قد‭ ‬شكلت‭ ‬ثقافة‭ ‬لدى‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬بشكل‭ ‬يقيهم‭ ‬شروره‭ ‬وأذاه،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬طبيعي‭ ‬جدًا،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أو‭ ‬المقبول‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬إغلاق‭ ‬لفترة‭ ‬أطول،‭ ‬ليس‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬الجائحة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فهم‭ ‬لطرق‭ ‬انتقال‭ ‬العدوى‭ ‬وتعلم‭ ‬طرق‭ ‬الوقاية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

إن‭ ‬إقامة‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬رغم‭ ‬المحاذير‭ ‬والمخاوف،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬الدينية‭ ‬ضربوا‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬هم‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يمارسوا‭ ‬شعائرهم‭ ‬الدينية‭ ‬بانضباط‭ ‬ومسؤولية‭ ‬وكان‭ ‬لزاما‭ ‬على‭ ‬الأوقاف‭ ‬الجعفرية،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صاحبة‭ ‬مخيلة‭ ‬خصبة‭ ‬وأفكارا‭ ‬خلاقة‭ ‬لتنظم‭ ‬الفعاليات‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬احترافية،‭ ‬أما‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬غردت‭ ‬خارج‭ ‬السرب‭ ‬ولم‭ ‬تلتزم‭ ‬بالتعاليم‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬التعزية،‭ ‬فهي‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬ولم‭ ‬تمارس‭ ‬عملًا‭ ‬مختلفا‭ ‬في‭ ‬عاشوراء‭ ‬عما‭ ‬تمارسه‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الأيام‭.‬

لقد‭ ‬استبشر‭ ‬الناس‭ ‬خيرًا‭ ‬بافتتاح‭ ‬المساجد‭ ‬لأداء‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر،‭ ‬كخطوة‭ ‬أولى‭ ‬لتأدية‭ ‬باقي‭ ‬الصلوات،‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬تركت‭ ‬انطباعًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬ولكن‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية،‭ ‬هو‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬الطبيعي‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وفق‭ ‬التدابير‭ ‬الاحترازية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬بمنتهى‭ ‬السهولة،‭ ‬وبصريح‭ ‬العبارة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التحدي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬أن‭ ‬نحبس‭ ‬فايروس‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يحبسنا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭.‬

وحتى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬اذكر‭ ‬نفسي،‭ ‬وأذكر‭ ‬الآخرين،‭ ‬أن‭ ‬الوعي‭ ‬هو‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬رفعته‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬دشنت‭ ‬فيه‭ ‬حملة‭ ‬مكافحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬ودون‭ ‬الوعي‭ ‬وأعلى‭ ‬درجات‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتدابير‭ ‬الاحترازية‭ ‬وثقافة‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فإننا‭ ‬سنبقى‭ ‬رهينة‭ ‬الوباء،‭ ‬وسوف‭ ‬نفقد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأحبة‭ ‬والأصدقاء‭ ‬كنتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬للاستهتار‭ ‬وعدم‭ ‬مراعاة‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬التهاون‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬أفعالنا‭.‬