وزير كفيف

| زهير توفيقي

لم‭ ‬أستطع‭ ‬تمالك‭ ‬شعوري‭ ‬وفرحتي‭ ‬بخبر‭ ‬تعيين‭ ‬شاب‭ ‬كفيف‭ ‬ليرأس‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬الشقيقة،‭ ‬ولم‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬مقالي‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬السعيد‭ ‬الذي‭ ‬أعتبره‭ ‬أنموذجا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬فهنيًا‭ ‬لشعب‭ ‬تونس‭ ‬العظيم‭ ‬تعيين‭ ‬الوزير،‭ ‬وهنيئا‭ ‬لصاحب‭ ‬القرار‭ ‬الجريء‭ ‬الذي‭ ‬قبل‭ ‬التحدي‭ ‬ليثبت‭ ‬أن‭ ‬الكفيف‭ ‬يملك‭ ‬صفات‭ ‬وكفاءة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البصير‭.‬

أنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬الوزير‭ ‬سينجز‭ ‬ويبدع‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الوزراء‭ ‬المبصرون‭ ‬السابقون‭ ‬من‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وتأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬﴿فَإِنَّهَا‭ ‬لَا‭ ‬تَعْمَى‭ ‬الْأَبْصَارُ‭ ‬وَلَكِنْ‭ ‬تَعْمَى‭ ‬الْقُلُوبُ‭ ‬الَّتِي‭ ‬فِي‭ ‬الصُّدُورِ﴾،‭ ‬وأقول‭ ‬للمشككين‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬القرار‭ ‬لا‭ ‬تستعجلوا‭ ‬النتائج‭ ‬وسترون‭ ‬أنكم‭ ‬مخطئون،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬واجبكم‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬تمدوا‭ ‬له‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬ودعمه‭ ‬لا‭ ‬محاربته‭ ‬ووضع‭ ‬العراقيل‭ ‬أمامه‭.‬

شخصيًا‭ ‬لم‭ ‬يحالفن‭ ‬الحظ‭ ‬لأزور‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المضياف‭ ‬“تونس‭ ‬الخضراء”،‭ ‬لكنني‭ ‬أملك‭ ‬علاقات‭ ‬وتجارب‭ ‬رائعة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬العظيم،‭ ‬الطيبة‭ ‬وسمو‭ ‬الأخلاق‭ ‬والرقي‭ ‬من‭ ‬صفاتهم،‭ ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬أردد‭ ‬جملة‭ ‬“لماذا‭ ‬كلكم‭ ‬طيبون”‭ ‬وذلك‭ ‬عند‭ ‬لقائي‭ ‬بأي‭ ‬تونسي‭. ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬ان‭ ‬أكون‭ ‬مجحفًا‭ ‬لحقهم،‭ ‬فهم‭ ‬يستحقون‭ ‬كتابًا‭ ‬وليس‭ ‬مقالًا‭.‬

في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬يحتاج‭ ‬الكفيف‭ ‬إلى‭ ‬حبٍّ‭ ‬صادق‭ ‬ينبعُ‭ ‬مِن‭ ‬القلب‭ ‬ليصل‭ ‬القلب،‭ ‬وينبع‭ ‬مِن‭ ‬الروح‭ ‬ليصلَ‭ ‬الروح،‭ ‬فهُمْ‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬الاحترام‭ ‬والاهتمام،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التآخي‭ ‬وتوفير‭ ‬الوسائل‭ ‬المناسِبة‭ ‬والناجِعة‭ ‬التي‭ ‬ستجعل‭ ‬منهم‭ ‬أناسًا‭ ‬مُبدعين‭ ‬دائمًا‭. ‬إنَّ‭ ‬الكفيفَ‭ ‬إنسانٌ‭ ‬منَحه‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يمنَحْه‭ ‬غيره،‭ ‬وأخذ‭ ‬وسلب‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬أعطاه‭ ‬لغيره،‭ ‬فكلنا‭ ‬متساوُون؛‭ ‬لذلك‭ ‬عند‭ ‬الاختلاطِ‭ ‬بهم‭ ‬ومزاولة‭ ‬مجتمع‭ ‬المكفوفين‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬منهم‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬مُبصر‭ ‬بقلبه‭ ‬يتقصَّى‭ ‬الحقائق،‭ ‬ويتفحص‭ ‬الأمور‭ ‬رويدًا‭ ‬رويدًا،‭ ‬عصامي‭ ‬مثابر،‭ ‬وقائد‭ ‬لذاته‭ ‬ونفسه،‭ ‬يستلهمُ‭ ‬إنجازاته‭ ‬بما‭ ‬يُمْليه‭ ‬عليه‭ ‬قلبه،‭ ‬أواصر‭ ‬الأمور‭ ‬والأشياء‭ ‬عنده‭ ‬مترابطة،‭ ‬مسيطرٌ‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬كلها،‭ ‬هو‭ ‬بشرٌ‭ ‬كغيره‭ ‬مِن‭ ‬البشر،‭ ‬قد‭ ‬يخذلُه‭ ‬المحيط‭ ‬به‭ ‬أحيانًا،‭ ‬لكن‭ ‬نظرته‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬إيجابية‭.‬

وذكر‭ ‬خبر‭ ‬تعيين‭ ‬الوزير‭ ‬الجديد‭ ‬أنه‭ ‬يوصف‭ ‬بطه‭ ‬حسين‭ ‬التونسي،‭ ‬حيث‭ ‬تتشابه‭ ‬مسيرته‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬المصري‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬قبل‭ ‬‮٧‬‭ ‬عقود‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬دعواتي‭ ‬القلبية‭ ‬الصادقة‭ ‬لهذا‭ ‬الوزير‭ ‬الجديد‭ ‬كل‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬مهمته‭ ‬غير‭ ‬المستحيلة‭ ‬ليكون‭ ‬رمزًا‭ ‬ومثالًا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬وتحية‭ ‬تقدير‭ ‬وإجلال‭ ‬للحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الرائدة‭.‬