زبدة القول

“أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ”

| د. بثينة خليفة قاسم

مقولة‭ ‬أن‭ ‬“اللغة‭ ‬العربية‭ ‬محمية‭ ‬من‭ ‬الانقراض‭ ‬لأنها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن،‭ ‬والقرآن‭ ‬محفوظ‭ ‬برعاية‭ ‬الله”‭ ‬هي‭ ‬الرد‭ ‬الذي‭ ‬يرد‭ ‬به‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‭ ‬بالخطر‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الانقراض‭ ‬المتواصل‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬فهناك‭ ‬25‭ ‬لغة‭ ‬تموت‭ ‬سنوياً‭ ‬–‭ ‬حسبما‭ ‬تبين‭ ‬الأبحاث‭- ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬اللغات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬يقدرها‭ ‬الباحثون‭ ‬بستة‭ ‬آلاف‭ ‬لغة،‭ ‬وتتوقع‭ ‬دراسات‭ ‬معينة‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬منها‭ ‬3000‭ ‬لغة‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

فهل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬محمية‭ ‬من‭ ‬الانقراض‭ ‬لأنها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن؟‭ ‬وهل‭ ‬هذا‭ ‬تبرير‭ ‬كاف‭ ‬ومطمئن‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬واستهتار‭ ‬وإهانة‭ ‬جعلها‭ ‬تتحول‭ ‬بالتدريج‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬مادة‭ ‬دراسية‭ ‬صعبة‭ ‬يتعلمها‭ ‬الطلاب‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬ويتعاملون‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬اجتياز‭ ‬الامتحان‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬مثلا‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انقطاع‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬وثقافة‭.‬

فلماذا‭ ‬هذا‭ ‬الإهمال‭ ‬للغتنا‭ ‬العربية‭ ‬الشاعرة‭ ‬ذات‭ ‬المفردات‭ ‬والتراكيب‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬بسهولة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬القديم‭ ‬والجديد،‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬البداية‭ ‬وعن‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭.‬

فهي‭ ‬غنية‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬الشاعر‭: ‬“أنا‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬أحشائه‭ ‬الدر‭ ‬كامن‭... ‬فهل‭ ‬سألوا‭ ‬الغواص‭ ‬عن‭ ‬صدفاتي”‭. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬شرفهم‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬بلغتهم،‭ ‬يهتمون‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬خصوصا‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ويهملون‭ ‬لغتهم‭ ‬الجميلة‭ ‬نطقاً‭ ‬واستماعا؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الآباء‭ ‬يرسخون‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬أبنائهم‭ ‬أن‭ ‬الإنجليزية‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية،‭ ‬ويفرحون‭ ‬ويفتخرون‭ ‬بأبنائهم‭ ‬عندما‭ ‬يتحدثون‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بطلاقة،‭ ‬ولا‭ ‬يرف‭ ‬لهم‭ ‬جفن‭ ‬عندما‭ ‬يكتشفون‭ ‬أن‭ ‬أبناءهم‭ ‬ينسون‭ ‬أحياناً‭ ‬ويكتبون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬تأثراً‭ ‬بالتعليم‭ ‬الأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬ينالونه؟‭ ‬ولماذا‭ ‬أصبح‭ ‬مدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أقل‭ ‬مكانة‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬والطلاب‭ ‬من‭ ‬مدرس‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية؟‭ ‬وهل‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬علاقة‭ ‬بتفوق‭ ‬الناطقين‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬وإنتاج‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه؟

هذا‭ ‬الافتراض‭ ‬الأخير‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صحيحاً،‭ ‬لكن‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬مقولة‭: ‬“أن‭ ‬العربية‭ ‬محمية‭ ‬من‭ ‬الانقراض‭ ‬لأنها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن”،‭ ‬لأن‭ ‬كلا‭ ‬الأمرين‭ ‬لا‭ ‬يبرران‭ ‬إهمال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتضييعها‭ ‬بأيدي‭ ‬أبنائها‭.‬