ملحمة كربلاء... عاشوراء

| عبدعلي الغسرة

ملحمة‭ ‬كربلاء‭ ‬ــ‭ ‬عاشوراء‭ ‬من‭ ‬الملاحم‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كربلاء‭ ‬بالعراق‭ ‬عام‭ ‬61هـ،‭ ‬والتي‭ ‬استشهد‭ ‬فيها‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ ‬وأهل‭ ‬بيته،‭ ‬وجسدت‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬البطولة‭ ‬والفداء‭ ‬والشجاعة‭ ‬والإقدام،‭ ‬وتعتبر‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الحوادث‭ ‬المأساوية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬وأصداء‭ ‬واسعة‭ ‬وتمت‭ ‬الكتابة‭ ‬عنها‭ ‬أدبًا‭ ‬وفنًا‭ ‬وشعرًا‭ ‬ونثرًا‭.‬

وانبثقت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬ثقافة‭ ‬عاشوراء‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬روحانية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬منبرًا‭ ‬للداعين‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرض،‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬الحق‭ ‬والتضحية،‭ ‬وتأثرت‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض،‭ ‬وتعلت‭ ‬منها‭ ‬القوة‭ ‬والصبر،‭ ‬فهذه‭ ‬الملحمة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬معركة‭ ‬ميدانية‭ ‬بدأت‭ ‬وانتهت،‭ ‬بل‭ ‬حملت‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاني،‭ ‬فهي‭ ‬رسالة‭ ‬سلام‭ ‬وتسامح‭ ‬وتعايش‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬ويقين‭ ‬بالحق،‭ ‬وهي‭ ‬مسؤولية‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬عبئها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬عيشًا‭ ‬كريمًا،‭ ‬ومنها‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬أولًا‭ ‬وفي‭ ‬المجتمع‭ ‬ثانيًا،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬تبتغي‭ ‬تحرير‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشوائب‭ ‬لجعله‭ ‬إنسانًا‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬التحديات‭ ‬والصبر‭ ‬على‭ ‬الابتلاءات،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬“تعلمت‭ ‬من‭ ‬الحسين‭ ‬كيف‭ ‬أكون‭ ‬مظلومًا‭ ‬فأنتصر”‭.‬

علينا‭ ‬كأفراد‭ ‬ومجتمع‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬بعقلنا‭ ‬وفكرنا‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بعاطفتنا،‭ ‬فالعاطفة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬امتزاج‭ ‬العقل‭ ‬والعاطفة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬الإنساني‭ ‬حتى‭ ‬نستطيع‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬نستلهم‭ ‬مبادئ‭ ‬ومعاني‭ ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬التي‭ ‬تتجدد‭ ‬ذكراها‭ ‬سنويًا،‭ ‬فهي‭ ‬ثرية‭ ‬بالدروس‭ ‬والعِبر،‭ ‬وتعلمنا‭ ‬معنى‭ ‬التضحية‭ ‬بالنفس‭ ‬والمال‭ ‬والأهل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدين‭ ‬والوطن‭ ‬والإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬قيَم‭ ‬ومبادئ‭ ‬لها‭ ‬أهميتها‭ ‬العقائدية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والوجدانية،‭ ‬وتتطلب‭ ‬الثبات‭ ‬عليها‭ ‬وعدم‭ ‬التنازل‭ ‬عنها‭ ‬كونها‭ ‬تحقق‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للناس‭ ‬والدين،‭ ‬وبها‭ ‬تتحقق‭ ‬عزة‭ ‬النفوس‭ ‬وكرامة‭ ‬الإنسان‭.‬

من‭ ‬ملحمة‭ ‬كربلاء‭ ‬أيقنا‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحياة،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬حدثا‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬ثم‭ ‬خمد‭ ‬وانتهى،‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬حدثا‭ ‬ورمزًا‭ ‬إنسانيًا‭ ‬ينبض‭ ‬بالحياة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬وبصائر‭ ‬لتلائم‭ ‬عيش‭ ‬الإنسان‭ ‬باختلاف‭ ‬انتمائه‭ ‬ودينه‭ ‬وجنسيته‭.‬