ريشة في الهواء

ماذا ينفع اعتذار “نيويورك تايمز”؟!

| أحمد جمعة

بسابقة‭ ‬مروعة،‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬لجريدة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬اعتذار‭ ‬رسمي‭ ‬لما‭ ‬سوقته‭ ‬الجريدة‭ ‬من‭ ‬تلفيق‭ ‬محبوك‭ ‬ومفبرك‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬بامتلاك‭ ‬أسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬سوقت‭ ‬وروّجت‭ ‬له‭ ‬الجريدة‭ ‬ومعها‭ ‬الواشنطن‭ ‬بوست‭.. ‬شاهدت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬فيلمًا‭ ‬أميركيًا‭ ‬جريئًا‭ ‬وواقعيًا‭ ‬فضح‭ ‬اللعبة‭ ‬الهزيلة‭ ‬الملفقة‭ ‬المدمرة‭ ‬التي‭ ‬حيكت‭ ‬بالكذب‭ ‬والتزوير‭ ‬الفاضح‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬جهاز‭ ‬إلى‭ ‬أصغره‭ ‬بالإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬حينها‭ ‬لإقناع‭ ‬العالم‭ ‬بهذه‭ ‬الكذبة‭ ‬التي‭ ‬هدفت‭ ‬لإسقاط‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬بل‭ ‬وتدمير‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬وإهلاك‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للعراق‭ ‬وإحلال‭ ‬طغمة‭ ‬سياسية‭ ‬رخيصة‭ ‬فاسدة،‭ ‬جلّ‭ ‬طاقهما‭ ‬ينتمي‭ ‬لأحزاب‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه،‭ ‬وأغلبهم‭ ‬بلا‭ ‬شهادات‭ ‬ولا‭ ‬خلفيات‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬فكرية،‭ ‬بينهم‭ ‬بائع‭ ‬مسابح‭ ‬وسائق‭ ‬تاكسي،‭ ‬منهم‭ ‬المالكي‭ ‬والمقبور‭ ‬الجلبي،‭ ‬وضعوا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬ببلد‭ ‬عربي‭ ‬عريق‭ ‬الحضارة،‭ ‬ضارب‭ ‬بالجذور‭ ‬كالعراق،‭ ‬لينتهي‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬دولة‭ ‬فقيرة‭ ‬ضائعة‭ ‬بمتاهة‭ ‬العالم‭.‬

الفيلم‭ ‬الأميركي‭ ‬جاد،‭ ‬وبعنوان‭ ‬الصدمة‭ ‬والترويع‭ (‬Shock and Awe‭) ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه،‭ ‬يكشف‭ ‬بتسلسلٍ‭ ‬درامي‭ ‬موثق‭ ‬بالدلائل‭ ‬والوثائق‭ ‬والشهادات،‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬إدارة‭ ‬بوش‭ ‬وتشيني‭ ‬من‭ ‬حياكة‭ ‬وتلفيق‭ ‬خطة‭ ‬مُحْكمة‭ ‬واستعانت‭ ‬بفلول‭ ‬المرتزقة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬ودعمتهم‭ ‬جريدتا‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬وواشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬بأكبر‭ ‬عملية‭ ‬بالتاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬شهدت‭ ‬تزويرا‭ ‬واختلاق‭ ‬رواية‭ ‬متشعبة،‭ ‬موظفة‭ ‬بإحكام،‭ ‬لامتلاك‭ ‬العراق‭ ‬مشروعا‭ ‬نوويا‭ ‬مكتملا‭ ‬وأسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬سخرت‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬والذرائع‭ ‬الملتوية‭ ‬لإقناع‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬والعالم‭ ‬بأن‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬يمتلك‭ ‬الأسلحة،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬صحافيين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬صحافية‭ ‬أميركية‭ ‬حاولت‭ ‬جهدها‭ ‬دحض‭ ‬تلك‭ ‬الأكاذيب‭ ‬ونشرت‭ ‬الوثائق‭ ‬السرية‭ ‬عن‭ ‬كذب‭ ‬وزعم‭ ‬ديك‭ ‬تشيني‭ ‬بامتلاك‭ ‬صدام‭ ‬الأسلحة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬المقرر‭ ‬سلفًا‭ ‬لإسقاط‭ ‬صدام‭ ‬مضى‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬ضاربًا‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬فضحت‭ ‬اللعبة‭... ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬عربي‭ ‬وحيد‭ ‬كذب‭ ‬تلك‭ ‬اللعبة‭ ‬وحذر‭ ‬منها‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يؤخذ‭ ‬برأيه‭ ‬حينها‭.‬

حتى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬كولن‭ ‬باول‭ ‬وقتها،‭ ‬كان‭ ‬مشككًا‭ ‬بذلك‭ ‬وغير‭ ‬مقتنع،‭ ‬ومعارضا‭ ‬للغزو،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬موجة‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الخبيثة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تشيني‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬حينذاك‭ ‬رامسفيلد‭ ‬مضت‭ ‬في‭ ‬تجييش‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الكذبة،‭ ‬وأقذر‭ ‬ما‭ ‬باللعبة‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬الوعي‭ ‬والتنبه‭ ‬لها،‭ ‬هي‭ ‬انخراط‭ ‬جرائد‭ ‬كنيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬بتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬للغزو‭ ‬المقرر،‭ ‬في‭ ‬نشرها‭ ‬الأكاذيب‭... ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬ينفع‭ ‬اعتذارها‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬القناع‭ ‬وانفضاح‭ ‬المستور،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الصحافة‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬أغلبنا‭ ‬بانبهارٍ‭ ‬وغباء‭ ‬للأسف‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

الشمس‭ ‬لا‭ ‬تحجبها‭ ‬الغيوم‭ ‬بل‭ ‬تجملها،‭ ‬كذلك‭ ‬الحقيقة‭.‬