وكالات التصنيف الائتماني في الميزان

| د. عبدالقادر ورسمه

بعد‭ ‬الانهيارات‭ ‬المالية‭ ‬والمصرفية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬الدول،‭ ‬ظهر‭ ‬جليا‭ ‬للعيان‭ ‬وجود‭ ‬خلل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬ومهام‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬العالمية‭. ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬العالمية‭ ‬أصبح‭ ‬مثار‭ ‬تعجب‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬عدم‭ ‬المصداقية‭ ‬واختفاء‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات،‭ ‬التي‭ ‬أعطت‭ ‬تصنيفا‭ ‬مرتفعا‭ ‬لمؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬وصناديق‭ ‬سيادية‭ ‬وفجأة‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬وجيز‭ ‬تقوم‭ ‬بإعطاء‭ ‬تصنيف‭ ‬منخفض‭ ‬لنفس‭ ‬المؤسسات‭ ‬والصناديق‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭.‬

وتوجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬3‭ ‬وكالات‭ ‬تصنيف‭ ‬رئيسة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬وتقوم‭ ‬الوكالات‭ ‬عبر‭ ‬تصنيفها‭ ‬بتقديم‭ ‬مؤشر‭ ‬للمستثمرين‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬بشأن‭ ‬الاستثمار‭ ‬مع‭ ‬توضيح‭ ‬المخاطر‭. ‬والمعضلة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تحديد‭ ‬درجة‭ ‬التصنيف‭ ‬وما‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬للوصول‭ ‬إليه؟‭ ‬وهل‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬ثابتة‭ ‬ومعروفة‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬شفافية‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬مساءلة‭ ‬كافية‭ ‬لمعرفة‭ ‬مدي‭ ‬التزام‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬بهذه‭ ‬المعايير‭ ‬وما‭ ‬يتبعها‭ ‬من‭ ‬الشفافية؟‭ ‬والأسئلة‭ ‬كثيرة؟

من‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لدور‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬كجهة‭ ‬مستقلة‭ ‬محايدة‭ ‬فنية‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مهامها‭ ‬وتحديد‭ ‬المعايير‭ ‬الأساسية‭ ‬والدور‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬إن‭ ‬تلتزم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬وكل‭ ‬الظروف‭. ‬وعليه‭ ‬فلا‭ ‬بد،‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬كيان‭ ‬مهني‭ ‬قانوني‭ ‬عالمي‭ ‬لوضع‭ ‬المعايير‭ ‬المهنية‭ ‬المطلوبة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬من‭ ‬يتجاوز‭ ‬أو‭ ‬يتهاون‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭. ‬

ويجب‭ ‬دراسة‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬توقيعها‭ ‬مع‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬وتحديد‭ ‬مهام‭ ‬الأطراف‭ ‬وكيفية‭ ‬تنفيذها‭ ‬مهنيا‭ ‬وتبعات‭ ‬التنفيذ‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬المهنية‭ ‬والقانونية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬مع‭ ‬تحديد‭ ‬مسار‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتعاقدة‭ ‬والأطراف‭ ‬الثالثة‭. ‬ونقول‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬العقود‭ ‬الحالية،‭ ‬في‭ ‬نظرنا،‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وبها‭ ‬عتامة‭ ‬كافية‭ ‬للوقوع‭ ‬في‭ ‬المزالق،‭ ‬ما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬أبسط‭ ‬المبادئ‭ ‬القانونية‭ ‬لقواعد‭ ‬العقود‭. ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬طرأت‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬العقد‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬ينظر‭ ‬لمهام‭ ‬الآخر‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهذا‭ ‬يمكن‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬تجاوزه‭ ‬بوضع‭ ‬النصوص‭ ‬التعاقدية‭ ‬الواضحة‭ ‬عيانا‭ ‬بيانا‭ ‬لكل‭ ‬طرف‭.‬

ونحتاج‭ ‬لوضع‭ ‬معايير‭ ‬للتصديق‭ ‬لهذه‭ ‬الوكالات‭ ‬والسماح‭ ‬لها‭ ‬بمزاولة‭ ‬أعمالها‭ ‬وكيفية‭ ‬مراقبتها‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬أعمالها،‭ ‬ونحتاج‭ ‬أيضا‭ ‬لوضع‭ ‬معايير‭ ‬للرقابة‭ ‬على‭ ‬المراقب؟‭ ‬ومن‭ ‬يراقب‭ ‬المراقب؟‭ ‬ونحتاج‭ ‬لوضع‭ ‬أسس‭ ‬مهنية‭ ‬ومحاسبية‭ ‬وإحصائية،‭ ‬للعمل‭ ‬عند‭ ‬التصنيف‭ ‬وتكون‭ ‬معروفة‭ ‬ويلتزم‭ ‬بها‭ ‬الجميع‭ ‬ويتبعها‭ ‬الجميع‭ ‬وفق‭ ‬أعلى‭ ‬معايير‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬كل‭ ‬وكالة‭ ‬أو‭ ‬فريق‭ ‬يعمل‭ ‬وفق‭ ‬هواه‭ ‬وقياسه‭ ‬لأن‭ ‬الحكم‭ (‬درجة‭ ‬التصنيف‭) ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬وكالة‭ ‬سيادية‭ ‬سيلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬حمي‭ ‬العولمة‭ ‬العالمية‭. ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬التزام‭ ‬الصدق‭ ‬وتحري‭ ‬الدقة‭ ‬والتعامل‭ ‬المهني‭ ‬مع‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬لتمكينهم‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للتقييم،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬قبيحة‭.‬