مُلتقطات

“عاشوراء البحرين”... أيقونة التعايش والوعي

| د. جاسم المحاري

تسود‭ ‬الفضاء‭ ‬الديني‭ ‬خلال‭ ‬ذكرى‭ ‬“عاشوراء”‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أرجاء‭ ‬البحرين‭ ‬كلّ‭ ‬عام،‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬تتجلّى‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬التسامح‭ ‬ومظاهر‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬التي‭ ‬عُرفت‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬والمذاهب‭ ‬والمعتقدات‭ ‬التي‭ ‬ائتلفت‭ ‬على‭ ‬خُطى‭ ‬سِبط‭ ‬الرسول‭ (‬ص‭) ‬وما‭ ‬تركه‭ ‬من‭ ‬إرثٍ‭ ‬زاخر‭ ‬بصبغته‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬صنوف‭ ‬العقيدة‭ ‬السمحة‭ ‬وحقول‭ ‬الثقافة‭ ‬المتسامية‭ ‬ومجالات‭ ‬الفن‭ ‬الهادفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬بأمة‭ ‬أو‭ ‬حضارة‭ ‬أو‭ ‬عقيدة‭ ‬أو‭ ‬مذهب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬“حدث‭ ‬تاريخي”‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬ارتبط‭ ‬بذاكرة‭ ‬الإنسان‭ ‬ووجدانه‭ ‬الذي‭ ‬ظلّ‭ ‬حاضراً‭ ‬في‭ ‬خلد‭ ‬كل‭ ‬مَنْ‭ ‬عايش‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الأخرى‭ ‬فعاليات‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الحزينة‭ ‬التي‭ ‬تُخيّم‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬بيوتات‭ ‬البحرينيين‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭.‬

عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬تزهو‭ ‬مراسم‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الأليمة‭ ‬على‭ ‬جغرافية‭ ‬البحرين‭ ‬بلوحاتها‭ ‬الفنية‭ ‬وجدارياتها‭ ‬التشكيلية‭ ‬ومجسماتها‭ ‬المُعبرة‭ ‬وقصصها‭ ‬المسرحية‭ ‬وأفلامها‭ ‬السينمائية‭ ‬ويافطاتها‭ ‬الاسترشادية‭ ‬ومُلصقاتها‭ ‬التنبيهية‭ ‬التي‭ ‬يتسابق‭ ‬إليها‭ ‬جِنْسَيْ‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المشارب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬“المنامة”،‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬تُحاكي‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬“ملحمة‭ ‬عاشوراء”‭ ‬إبداعات‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬السامية‭ ‬لدى‭ ‬سبط‭ ‬الرسول‭ (‬ص‭)‬،‭ ‬متجاوزةً‭ ‬حدود‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬بدروسها‭ ‬الخلاقة‭ ‬ومعطياتها‭ ‬التربوية‭ ‬والروحية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬مجتمعات‭ ‬متكاملة‭ ‬مُتراصّة‭ ‬البنيان،‭ ‬برموزها‭ ‬ودلالاتها‭ ‬ومعانيها‭ ‬وإشاراتها‭ ‬وقيمها‭ ‬الإنسانية‭ ‬العالية‭ ‬النبيلة‭.‬

 

نافلة‭:‬

بالمناسبة،‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬متولي‭ ‬المآتم‭ ‬والحسينيات‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬برهنتْ‭ ‬كفاءتها‭ ‬الإدارية‭ ‬وحسّها‭ ‬الوطني‭ ‬المسؤول‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭ ‬–‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬الوطنية‭ ‬المُخلصة‭ ‬الأخرى‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬حجم‭ ‬الأعباء‭ ‬المُلقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقها،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬أظهرت‭ ‬حرصاً‭ ‬كبيراً‭ ‬منذ‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬للجائحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتباعها‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬الضرورية‭ ‬واتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬الوقائية‭ ‬اللازمة‭ ‬بما‭ ‬يتواءم‭ ‬والشروط‭ ‬المتبعة‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬والفريق‭ ‬الوطني‭ ‬لمكافحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬المملكة‭. ‬

هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬دفعهم‭ ‬لخوض‭ ‬غمار‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬مراسم‭ ‬ذكرى‭ ‬“عاشوراء”‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬خلال‭ ‬الظرف‭ ‬الاستثنائي‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بذات‭ ‬العزيمة‭ ‬والثقة،‭ ‬حيث‭ ‬همّهم‭ ‬الرئيس‭ ‬سلامة‭ ‬المعزين‭ ‬ودرء‭ ‬مخاطر‭ ‬العدوى‭ ‬عن‭ ‬عامة‭ ‬المواطنين،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬اكتفوا‭ ‬بإذاعة‭ ‬المحاضرات‭ ‬والمجالس‭ ‬الحسينية‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬البثّ‭ ‬“عَنْ‭ ‬بُعْد”‭ ‬دون‭ ‬حشود‭ ‬المواكب‭ ‬أو‭ ‬تجمعات‭ ‬المضائف‭ ‬المتعارفة‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭.‬