زبدة القول

النوم في العسل!

| د. بثينة خليفة قاسم

عجيبٌ‭ ‬حقاً‭ ‬أمر‭ ‬النوم،‭ ‬فهو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬فضيلة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متولي‭ ‬الشعراوي‭ ‬“إذا‭ ‬طلبته‭ ‬أتعبك،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬طلبك‭ ‬أراحك”،‭ ‬وهو‭ ‬“سلطان”‭ ‬يعز‭ ‬عليك‭ ‬لقاؤه‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭ ‬وقد‭ ‬يغلبك‭ ‬ويقهر‭ ‬مقاومتك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تود‭ ‬ألا‭ ‬يغلبك‭ ‬فيه‭.‬

في‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬ليالي‭ ‬الأرق‭ ‬المرير‭ ‬جلست‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬السياقات‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬فيها‭ ‬كلمة‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والأدب،‭ ‬فوجدت‭ ‬تناقضاً‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬بين‭ ‬حديث‭ ‬الأطباء‭ ‬وحديث‭ ‬الأدباء‭ ‬عن‭ ‬النوم،‭ ‬فالأطباء‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬النوم‭ ‬يقوي‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬ويجدد‭ ‬خلايا‭ ‬المخ‭ ‬وينتج‭ ‬مادة‭ ‬الميلاتونين‭ ‬المهمة‭ ‬لحفظ‭ ‬الشباب‭ ‬وحماية‭ ‬القلب‭ ‬والصحة‭ ‬العامة‭ ‬كأحد‭ ‬المواد‭ ‬المضادة‭ ‬للأكسدة،‭ ‬لكن‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬السحرية‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النوم‭ ‬ليلا،‭ ‬وسبحان‭ ‬الله‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬“وجعلنا‭ ‬الليل‭ ‬لباساً‭ ‬وجعلنا‭ ‬النهار‭ ‬معاشاً”‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬علماء‭ ‬أوروبا‭ ‬وأميركا‭ ‬الفوائد‭ ‬الكبيرة‭ ‬لنوم‭ ‬القيلولة‭ ‬كانوا‭ ‬يتهمون‭ ‬العرب‭ ‬بالكسل‭ ‬والخمول‭ ‬وإضاعة‭ ‬الوقت،‭ ‬لأن‭ ‬العرب‭ ‬يتفوقون‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬النوم‭ ‬هذه‭! ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأكدوا‭ ‬أن‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬يعيد‭ ‬النشاط‭ ‬ويزيد‭ ‬الإنتاج‭ ‬قاموا‭ ‬بتخصيص‭ ‬وقت‭ ‬لنوم‭ ‬القيلولة‭ ‬لعمال‭ ‬بعض‭ ‬المصانع‭ ‬لكي‭ ‬يستفيدوا‭ ‬مما‭ ‬أبدعه‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬“النوم”‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الأدبي،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬نشأته‭ ‬تختلف‭ ‬تماماً،‭ ‬فالنوم‭ ‬الطويل‭ ‬سـُبة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الأمم،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬الجارم‭ ‬يحتفي‭ ‬بلحظة‭ ‬استيقاظ‭ ‬أصابت‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬سبات‭ ‬طويل‭ ‬عندما‭ ‬دون‭ ‬قصيدته‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬مطلعها‭: ‬“صحا‭ ‬الشرق‭ ‬وانجاب‭ ‬الكرى‭ ‬عن‭ ‬عيونه‭... ‬وليس‭ ‬لمن‭ ‬رام‭ ‬الكواكب‭ ‬مضجع”،‭ ‬ويقول‭ ‬الخيام‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬دعوته‭ ‬للاستيقاظ‭: ‬“فما‭ ‬أطال‭ ‬النوم‭ ‬عمراً‭... ‬ولا‭ ‬قصر‭ ‬في‭ ‬الأعمار‭ ‬طول‭ ‬السهر”‭.‬

والنوم‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬يستخدم‭ ‬لوصف‭ ‬الشخص‭ ‬غير‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬والذي‭ ‬تسير‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬ربما‭ ‬بشكل‭ ‬قد‭ ‬يضر‭ ‬به‭ ‬شخصياً‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري،‭ ‬كأن‭ ‬يتناول‭ ‬الناس‭ ‬قضية‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحسب‭ ‬له‭ ‬حساب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬ويفاجأ‭ ‬بقرارات‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬حول‭ ‬مستقبله‭ ‬“وهو‭ ‬نايم‭ ‬في‭ ‬العسل”‭.‬