لقطة

“تجربتي السريرية” للقاح كورونا!

| أحمد كريم

دون‭ ‬سابق‭ ‬تخطيط‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬أدخل‭ ‬إلى‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني‭ ‬المخصص‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬لأتطوع‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬على‭ ‬لقاح‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭)‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أبلغني‭ ‬زميلي‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬“البلاد”‭ ‬حسن‭ ‬عدوان‭ ‬أنه‭ ‬تطوع‭ ‬بالفعل‭ ‬لأخذ‭ ‬اللقاح‭ ‬التجريبي،‭ ‬وشرح‭ ‬لي‭ ‬آلية‭ ‬التسجيل‭ ‬وتجربته‭ ‬الشخصية‭ ‬مع‭ ‬اللقاح‭!‬

لم‭ ‬أكن‭ ‬أعي‭ ‬أخطار‭ ‬اللقاح،‭ ‬ولكنني‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬لأكترث،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬ماضية‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬مدخنًا‭ ‬شرها‭ ‬أدخل‭ ‬إلى‭ ‬جسدي‭ ‬سموم‭ ‬الدخان،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أجني‭ ‬فائدة‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬خسارة‭ ‬الصحة‭ ‬والمال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬متعة‭ ‬وهمية،‭ ‬فما‭ ‬المانع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أخوض‭ ‬تجربة‭ ‬وأدخل‭ ‬في‭ ‬جسدي‭ ‬مصلًا‭ ‬أنتجه‭ ‬علماء‭ ‬ليكون‭ ‬مضادًا‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬خيم‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬وأفسدها؟

بهذه‭ ‬البساطة‭ ‬كنت‭ ‬أقلب‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬رأسي،‭ ‬وبالفعل،‭ ‬سجلت‭ ‬عبر‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وانتظرت‭ ‬نحو‭ ‬8‭ ‬ساعات‭ ‬حتى‭ ‬تسلمت‭ ‬رسالة‭ ‬نصية‭ ‬تحدد‭ ‬موعد‭ ‬زيارتي‭ ‬لمركز‭ ‬المعارض‭ ‬والمؤتمرات،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬إجراء‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬على‭ ‬اللقاح،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬رحلة‭ ‬تفكيري‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬نفسي‭ ‬فيه،‭ ‬وهل‭ ‬كنت‭ ‬صائبا‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬أم‭ ‬لا؟ّ‭!‬

كان‭ ‬الموعد‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬11‭ ‬صباحا،‭ ‬ذهبت‭ ‬متسلحا‭ ‬بالشجاعة،‭ ‬على‭ ‬ال‭ ‬من‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الترقب‭ ‬والقلق‭ ‬يسيطر‭ ‬عليَّ،‭ ‬فقد‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬للقاح،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬مضاعفاته‭ ‬الجانبية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اعتماده‭ ‬بصورة‭ ‬رسمية‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الصحية،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬مطمئنا‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬كنت‭ ‬أقنع‭ ‬نفسي،‭ ‬فاللقاح‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬تجاوز‭ ‬الاختبارات‭ ‬الأولية‭ ‬على‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وبعدها‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬المصنع،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬خطرًا‭!‬

ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬المعارض‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد،‭ ‬وتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬القاعة‭ ‬رقم‭ ‬4،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬أسلم‭ ‬موظفة‭ ‬الاستقبال‭ ‬بطاقتي‭ ‬الشخصية،‭ ‬اختبر‭ ‬رجلًا‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬البوابة‭ ‬حرارتي‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬الانتظار،‭ ‬وبعد‭ ‬ربع‭ ‬ساعة،‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬الفحص،‭ ‬وهناك،‭ ‬التقيت‭ ‬بالطبيبة‭ ‬التي‭ ‬شرحت‭ ‬لي‭ ‬مراحل‭ ‬تجربة‭ ‬اللقاح‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬لمدة‭ ‬45‭ ‬يوما‭ ‬للفرد‭ ‬وتتطلب‭ ‬متابعة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭.‬

شعرت‭ ‬وقتها‭ ‬بالارتياح؛‭ ‬لأنني‭ ‬أساهم‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬البشر‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الوباء،‭ ‬وأسعدني‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬وهو‭ ‬“لأجل‭ ‬الإنسانية”،‭ ‬إذ‭ ‬تتشارك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬لقاح‭ ‬تطوره‭ ‬شركة‭ ‬صينية‭ ‬مرموقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬الأدوية،‭ ‬وتستهدف‭ ‬التجارب‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬متطوع‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬و12‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬الإمارات،‭ ‬بينما‭ ‬تسعى‭ ‬الشركة‭ ‬لأن‭ ‬تجرب‭ ‬اللقاح‭ ‬على‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

بعدما‭ ‬انتهت‭ ‬الطبيبة‭ ‬من‭ ‬شرح‭ ‬مراحل‭ ‬تجربة‭ ‬اللقاح،‭ ‬حولتني‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬أخرى‭ ‬لقياس‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬وضغط‭ ‬الدم،‭ ‬ودقات‭ ‬القلب،‭ ‬وبعدها‭ ‬أخذت‭ ‬مني‭ ‬مسحة‭ ‬أنف‭ ‬لفحص‭ ‬الإصابة‭ ‬بكورونا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تحويلي‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬لأخذ‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الدم،‭ ‬وبعدها‭ ‬حقني‭ ‬باللقاح‭ ‬التجريبي،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬الانتظار‭ ‬لمدة‭ ‬نصف‭ ‬ساعة؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معاينة‭ ‬الأعراض‭ ‬الجانبية‭ ‬في‭ ‬المركز‭.‬

وقبل‭ ‬خروجي‭ ‬من‭ ‬القاعة‭ ‬رقم‭ ‬4‭ ‬تسلمت‭ ‬كتيبا‭ ‬أقيّد‭ ‬فيه‭ ‬ملاحظاتي‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬حالتي‭ ‬الصحية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬شعرت‭ ‬بأية‭ ‬أعراض‭ ‬جانبية،‭ ‬وأنا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬المعاينة‭ ‬السريرية‭ ‬التي‭ ‬يشترط‭ ‬فيها‭ ‬عدم‭ ‬سفري‭ ‬لمدة‭ ‬45‭ ‬يوما،‭ ‬والإجابة‭ ‬على‭ ‬اتصالات‭ ‬الأطباء‭ ‬لمعاينة‭ ‬حالتي‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحضور‭ ‬الشخصي‭ ‬حسبما‭ ‬هو‭ ‬مجدول‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التجربة‭.‬

والآن‭ ‬عندما‭ ‬يسألني‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬أشعر‭ ‬بالفخر‭ ‬لمشاركتي‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬البشرية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شعوري‭ ‬بأية‭ ‬أعراض‭ ‬جانبية‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تقتصر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬صداع‭ ‬بسيط‭ ‬وآلام‭ ‬في‭ ‬الكتف‭ ‬مكان‭ ‬إبرة‭ ‬المصل،‭ ‬ولست‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬لأني‭ ‬بعد‭ ‬21‭ ‬يوما‭ ‬سوف‭ ‬أذهب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬المعارض‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬لأخذ‭ ‬الجرعة‭ ‬الثانية،‭ ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أنني‭ ‬متمسك‭ ‬بالتجربة‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭ ‬وأنصح‭ ‬من‭ ‬تنطبق‭ ‬عليه‭ ‬الشروط‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬في‭ ‬التطوع‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬تردد‭ ‬خدمة‭ ‬للإنسانية‭ ‬ومساهمة‭ ‬في‭ ‬جهودها‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الوباء‭.‬