الإمارات وإسرائيل.. الفلسطينيون ومشاريع الحل السلمي والتطبيع

| عبدالنبي الشعلة

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإرادة‭ ‬الإلهية‭ ‬قد‭ ‬شاءت‭ ‬بأن‭ ‬يُمتحن‭ ‬ويُبتلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬محنته‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬بقيادات‭ ‬ظلت‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬دوامات‭ ‬الاختلاف‭ ‬والانقسام‭ ‬والتناحر،‭ ‬ومتورطة‭ ‬بقدر‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الفساد،‭ ‬وأن‭ ‬تستباح‭ ‬قضيته‭ ‬العادلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المزايدين‭ ‬والسماسرة‭ ‬وتجار‭ ‬الشعارات؛‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬الركود‭ ‬والجمود‭ ‬والانسداد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬العرب‭ ‬العسكرية‭ ‬لحسمها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬رفض‭ ‬أو‭ ‬اجهاض‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬والمشاريع‭ ‬السلمية‭ ‬لحلها‭. ‬

وما‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة؛‭ ‬فعندما‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬واقعة‭ ‬تحت‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني،‭ ‬وانتفض‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ضد‭ ‬تدفق‭ ‬موجات‭ ‬الهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬إلى‭ ‬أرضهم،‭ ‬واحتدمت‭ ‬المواجهات‭ ‬بينهم‭  ‬وبين‭ ‬المهاجرين‭ ‬اليهود‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬1936‭-‬1939،‭ ‬شكل‭ ‬الملك‭ ‬إدوارد‭ ‬الثامن‭ ‬“لجنة‭ ‬بيل‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬PEEL COMMISSION”‭  ‬برئاسة‭ ‬اللورد‭ ‬بيل؛‭ ‬هدفها‭ ‬دراسة‭ ‬الأسباب‭ ‬وراء‭ ‬تفجر‭ ‬الأوضاع،‭ ‬وتقديم‭ ‬توصيات‭ ‬بشأن‭ ‬حل‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬اللجنة‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1936‭ ‬دعت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬واليهود‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬والاجتماعات،‭ ‬فسارع‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬فرق‭ ‬من‭ ‬المفاوضين‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬شخصًا‭ ‬بارزا‭ ‬بقيادة‭ ‬حاييم‭ ‬وايزمان‭ ‬رئيس‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬قيامها،‭ ‬أما‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬منقسمين‭ ‬بين‭ ‬زعامة‭ ‬المفتي‭ ‬الحاج‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬العربية‭ ‬العليا،‭ ‬وراغب‭ ‬النشاشيبي‭ ‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭. ‬

كان‭ ‬المفتي‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬الوزن‭ ‬الأثقل‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقد‭ ‬قاطع‭ ‬اللجنة‭ ‬ورفض‭ ‬الاجتماع‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ألح‭ ‬عليه‭ ‬المغفور‭ ‬لهم‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬سعود‭ ‬والملك‭ ‬غازي‭ ‬ملك‭ ‬العراق‭ ‬والملك‭ ‬عبدالله‭ ‬أمير‭ ‬شرق‭ ‬الأردن‭ ‬وقتها،‭ ‬فشارك‭ ‬بوفد‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬شخصًا‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬مهمة‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬استغرقت‭ ‬عامين‭ (‬1937-1938‭).‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬تضمنت‭ ‬توصيات‭ ‬اللجنة‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود،‭ ‬بحيث‭ ‬نال‭ ‬اليهود‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬خصصت‭ ‬للعرب‭ ‬والتي‭ ‬ضمت‭ ‬مدينتي‭ ‬حيفا‭ ‬ويافا،‭ ‬وأبقيت‭ ‬مدن‭ ‬القدس‭ ‬وبيت‭ ‬لحم‭ ‬والناصرة‭ ‬تحت‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني،‭ ‬وفُرض‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬دفع‭ ‬معونات‭ ‬مالية‭ ‬لدولة‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬مضض‭ ‬قبل‭ ‬الصهاينة‭ ‬بالقرار‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬ورفضه‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلًا‭.‬

وقتها‭ ‬أيضًا‭ ‬كانت‭ ‬الاتهامات‭ ‬تتبادل‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فقد‭ ‬اتُهم‭ ‬راغب‭ ‬النشاشيبي‭ ‬بالخيانه،‭ ‬وبدوره‭ ‬اتهم‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بـ”الإرهاب‭ ‬وارتكاب‭ ‬المذابح،‭ ‬وتحويل‭ ‬الثورة‭ ‬لمصالحهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المخصصة‭ ‬لشراء‭ ‬السلاح‭ ‬والذخيرة”‭ (‬راجع‭ ‬عدد‭ ‬24‭ ‬أكتوبر‭ ‬1938‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬YORKSHIRE POST‭)‬،‭ ‬،‭ ‬فضاعت‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬وفرتها‭ ‬لجنة‭ ‬بيل‭.‬

وبعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬رفض‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والعرب‭ ‬حل‭ ‬التقسيم‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬الذي‭ ‬أقرته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947‭, ‬وحاولوا‭ ‬وقتها‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية؛‭ ‬فكانت‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأولى‭ ‬لعام‭ ‬1948‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬المساحة‭ ‬المخصصة‭ ‬لها‭ ‬حسب‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬50‭% ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مخصصة‭ ‬للفلسطينيين‭. ‬وتأسف‭ ‬عقلاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب؛‭ ‬لأنهم‭ ‬ضيعوا‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬وفرها‭ ‬حل‭ ‬التقسيم‭ ‬الذي‭ ‬أقرته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬يد‭ ‬أو‭ ‬رأي‭  ‬في‭ ‬“حرب‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي”‭ ‬التي‭ ‬نشبت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956‭ ‬بسبب‭ ‬قرار‭  ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬والتي‭ ‬تمكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تدعيم‭ ‬قوتها‭ ‬عندما‭ ‬احتلت‭ ‬سيناء‭ ‬ثم‭ ‬انسحبت‭ ‬منها‭ ‬بضغوط‭ ‬أميركية،‭ ‬بعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تعويضات‭ ‬وصفقات‭ ‬تسليح‭ ‬وضمانات‭ ‬استراتيجية‭.‬

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬وفضيحة‭ ‬أو‭ ‬مصيبة‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬السته‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالناصر‭ ‬“إزالة‭ ‬آثار‭ ‬العدوان”،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬انتصارًا‭ ‬كاسحًا،‭ ‬وهزمت‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬واحتلت‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وهضبة‭ ‬الجولان‭ ‬السورية؛‭ ‬وهكذا‭ ‬جربتنا‭ ‬اسرائيل‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬القتال،‭ ‬ونحن‭ ‬جربنا‭ ‬محاولات‭ ‬الحل‭ ‬العسكري‭ ‬معها‭.‬

وكان‭ ‬العرب‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬قد‭ ‬قاطعوا‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬الراحل‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬عندما‭ ‬دعا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1965،‭ ‬قبل‭ ‬هزيمة‭ ‬1967‭ ‬بعامين،‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والتصالح‭ ‬معها‭ ‬والاعتراف‭ ‬بها‭ ‬كدولة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬1967،‭ ‬وقد‭ ‬رفض‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والعرب‭ ‬معهم‭ ‬مشروع‭ ‬بورقيبة‭ ‬بعد‭ ‬اتهامه‭ ‬بالخيانة،‭ ‬ثم‭ ‬قالوا‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‭ ‬بحسرة‭ ‬وحرقة‭ ‬ليتنا‭ ‬قبلناه‭.‬

كما‭ ‬قاطع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والعرب‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬بزيارة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1977‭ ‬والاعتراف‭ ‬بها،‭ ‬والدخول‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬استعاد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬كامل‭ ‬الأراضي‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967؛‭ ‬ولم‭ ‬يقبل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والعرب‭ ‬دعوة‭ ‬السادات‭ ‬لهم‭ ‬للمشاركة‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المفاوضات‭ ‬بهدف‭ ‬استعادة‭ ‬حقوقهم‭ ‬وأراضيهم؛‭ ‬فرفضوا‭ ‬دعوته،‭ ‬واتهموه‭ ‬بالخيانة‭ ‬أيضًا،‭ ‬ثم‭ ‬تحسروا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وبعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬فإننا‭ ‬نتعاطف‭ ‬بقوة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المخلصين‭ ‬والغيورين‭ ‬من‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ونتوخى‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يمنحوا‭ ‬الفرصة‭ ‬لنجاح‭ ‬خطوة‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬السلمية،‭ ‬واتفاقه‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬قنوات‭ ‬الاتصال‭ ‬بها‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬طبيعية‭ ‬معها‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لبدء‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الإماراتي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاوض‭ ‬عربي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬بالفعل‭ ‬وقبل‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬آخر‭ ‬بالاتفاق‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬ضم‭ ‬إسرائيل‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإن‭ ‬اعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المعارضين‭ ‬لهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لم‭ ‬يقدموا‭ ‬أي‭ ‬بديل‭ ‬أو‭ ‬خيار‭ ‬عملي‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الاتهام‭ ‬بالخيانة‭ ‬والطعن‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬وبيع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يذكروا‭ ‬المقابل‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تحتاجه‭ ‬الإمارات‭ ‬وحصلت‭ ‬عليه‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه؛‭ ‬فإن‭ ‬الفضل‭ ‬يعود‭ ‬لأشقائنا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬بالحلول‭ ‬السلمية،‭ ‬وفي‭ ‬إرساء‭ ‬مبدأ‭ ‬التواصل‭ ‬والتباحث‭ ‬السري‭ ‬والعلني‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬عندما‭ ‬تقابلوا‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه،‭ ‬بوساطة‭ ‬أميركية،‭ ‬وجلسوا‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬أوسلو‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1991‭ ‬التي‭ ‬توجت‭ ‬بتوقيع‭ ‬“اتفاق‭ ‬السلام”‭ ‬معهم‭ ‬برعاية‭ ‬أميركية‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993،‭ ‬والتي‭ ‬أفضت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬“السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية”‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭.‬

إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقيم‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬والأردن،‭ ‬وتحتفظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬سرية‭ ‬وطيدة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وقد‭ ‬أقامت‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متميزة‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬اليوم‭ ‬لواء‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاتفاق‭ ‬الإماراتي‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بإسرائيل‭ ‬في‭ ‬1949‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬قيامها،‭ ‬ونمت‭ ‬بينهما،‭ ‬وما‭ ‬تزال،‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واسعة‭ ‬وتعاون‭ ‬مثمر‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬وغيرها‭.‬

لقد‭ ‬حاول‭ ‬العرب‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سلميًا،‭ ‬عادة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬بهم‭ ‬الهزائم،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬ضعيفة،‭ ‬وفي‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬والشكوك‭ ‬المتبادلة‭ ‬والجفاء‭ ‬والعداء‭ ‬والقطيعة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مبادرة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬تنبثق‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬مختلفة‭ ‬وقواعد‭ ‬جديدة‭ ‬وخطاب‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬وعلى‭ ‬مبدأ‭ ‬التعاون‭ ‬كأساس‭ ‬لمد‭ ‬الجسور‭ ‬وتوطيد‭ ‬الثقة؛‭ ‬انها‭  ‬لغة‭ ‬المصالح‭ ‬ومن‭ ‬مركز‭ ‬قوة،‭ ‬لغة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬العربي،‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬سمعها‭ ‬العالم‭ ‬منا‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬عاما‭ ‬وسئمها‭.‬

إن‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬مبادرة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬سيادي،‭ ‬وتفرضها‭ ‬مقتضيات‭ ‬وطنية‭ ‬وإقليمية،‭ ‬وتستند‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬الممكن‭ ‬والواقع،‭ ‬وتأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬المستجدات‭ ‬والتطورات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬وإن‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬التجريم‭ ‬والتجريح‭ ‬والتخوين‭ ‬والشعارات‭ ‬الملتهبة،‭ ‬والمتاجرة‭ ‬بهذه‭ ‬القضية،‭ ‬وإضاعة‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭.‬