ومضة قلم

الصمت أفضل

| محمد المحفوظ

لدى‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬ولع‭ ‬غريب‭ ‬بالظهور‭ ‬الإعلامي‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬أتساءل‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬هدف‭ ‬ما‭ ‬يتخفى‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬بالطبع‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬نشر‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬أو‭ ‬الرسائل‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬صالح‭ ‬المواطن‭ ‬والارتقاء‭ ‬بوضعه‭ ‬المعيشي،‭ ‬لكننا‭ ‬نعترض‭ ‬عليها‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القصد‭ ‬تلميع‭ ‬صورة‭ ‬النائب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬المقاطع‭ ‬أو‭ ‬الرسائل‭ ‬يلحظ‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬أنها‭ ‬تجسد‭ ‬منتهى‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بعقل‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭.‬

النموذج‭ ‬أمامنا‭ ‬ما‭ ‬خرج‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬النواب‭ ‬بدعوته‭ ‬المواطنين‭ ‬للتبرع‭ ‬لمساعدة‭ ‬المحتاجين‭ ‬والمرضى‭ ‬وغيرهم‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬أموالهم‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬أخرى‭ ‬يمكن‭ ‬تأجيلها‭ ‬كالسفر،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬قد‭ ‬يمكن‭ ‬تقبلها‭ ‬من‭ ‬عضو‭ ‬بجمعية‭ ‬خيرية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬إطلاقا‭ ‬من‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬نيابيّ‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬النائب‭ ‬التي‭ ‬انتخب‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬تتناقض‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يطالب‭ ‬به،‭ ‬طبعا‭ ‬ليست‭ ‬الدعوة‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬إلا‭ ‬نموذجا‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬المطالبات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بأدنى‭ ‬صلة‭ ‬لمهمة‭ ‬النائب‭.‬

نتذكر‭ ‬جيدا‭ ‬أنّ‭ ‬أحد‭ ‬النواب‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬نشر‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أثارت‭ ‬سخرية‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬قللت‭ ‬من‭ ‬جدية‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬بالمجلس،‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬هيئة‭ ‬مكتب‭ ‬المجلس‭ ‬النيابيّ‭ ‬لاستدعائه‭ ‬ولفت‭ ‬نظره،‭ ‬والأدهي‭ ‬أنّ‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬النواب‭ ‬أنفسهم‭ ‬وجدوا‭ ‬فيها‭ ‬إساءة‭ ‬بالغة‭ ‬للمجلس‭ ‬النيابي‭ ‬والتجربة‭ ‬البرلمانية‭ ‬برمتها،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاستغراب‭ ‬أنّ‭ ‬النائب‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬المقاطع‭ ‬الصوتية،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬المكتب‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬إنذار‭ ‬وتهديده‭ ‬بإجراءات‭ ‬تأديبية‭. ‬

إنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬برلمانية‭ ‬هو‭ ‬التالي‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يفي‭ ‬النائب‭ ‬بوعوده؟‭ ‬وعوضا‭ ‬عنها‭ ‬نجده‭ ‬يستهين‭ ‬بعقل‭ ‬المواطن،‭ ‬والطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬لو‭ ‬أنّ‭ ‬أحدا‭ ‬صارح‭ ‬النائب‭ ‬بتخليه‭ ‬عن‭ ‬وعوده‭ ‬لجاء‭ ‬الرد‭ ‬بأنّ‭ ‬دوره‭ ‬كممثل‭ ‬للسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬دور‭ ‬رقابيّ‭ ‬وتشريعي،‭ ‬متناسيا‭ ‬تماما‭ ‬ما‭ ‬حفل‭ ‬به‭ ‬برنامجه‭ ‬الانتخابيّ‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الوضع‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬الممكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الدورين‭ ‬السالفين‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬مكمل‭ ‬لهما‭. ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬أوردنا‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬تجارب‭ ‬برلمانية‭ ‬أكثر‭ ‬شبها‭ ‬بتجربتنا‭ ‬وأكثر‭ ‬عراقة‭ ‬لم‭ ‬يتنصل‭ ‬فيها‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ولم‭ ‬يتهربوا‭ ‬من‭ ‬واجباتهم‭.‬