ستة على ستة

الحكم في اغتيال الحريري ومستقبل حزب الله

| عطا السيد الشعراوي

رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يشف‭ ‬غليل‭ ‬الكثيرين،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الحكم‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬بلبنان‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬مقتل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬عام‭ ‬2005م‭ ‬والتي‭ ‬أدانت‭ ‬شخصًا‭ ‬واحدًا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ (‬سليم‭ ‬عياش‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬وصفته‭ ‬بأحد‭ ‬الفاعلين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة،‭ ‬وبرأت‭ ‬ثلاثة‭ ‬متهمين‭ ‬آخرين‭ ‬لعدم‭ ‬كفاية‭ ‬الأدلة‭.‬

فتشكيل‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬وقيامها‭ ‬بالتحقيقات‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬وإصدار‭ ‬الحكم‭ ‬يعد‭ ‬إنجازًا‭ ‬مهمًا‭ ‬وانتصارًا‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬توجيه‭ ‬إدانة‭ ‬إلى‭ ‬عنصر‭ ‬ينتمي‭ ‬لهذا‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬“ضمنية”‭ ‬للحزب‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬يحميه‭ ‬ويدعمه،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬عضو‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬من‭ ‬الخطورة‭ ‬دون‭ ‬تخطيط‭ ‬وتدبير‭ ‬وتوجيه‭ ‬وإشراف‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬نفسه‭.‬

الحكم‭ ‬أيضًا‭ ‬ضربة‭ ‬قضائية‭ ‬وتأكيد‭ ‬دامغ‭ ‬بالأدلة‭ ‬والبراهين‭ ‬بعد‭ ‬تحريات‭ ‬طويلة‭ ‬ومتابعة‭ ‬دقيقة‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬هز‭ ‬استقرار‭ ‬لبنان‭ ‬وكان‭ ‬بداية‭ ‬سلسة‭ ‬خطيرة‭ ‬من‭ ‬اغتيالات‭ ‬طالت‭ ‬وجوهًا‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬ليس‭ ‬بمحكمة‭ ‬تدعمها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مسؤول‭ ‬العلاقات‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بمصلحة‭ ‬لبنان‭.‬

وخلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تولدت‭ ‬قناعة‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين‭ ‬بأن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬ليس‭ ‬لبنانيًا،‭ ‬إنما‭ ‬حزب‭ ‬تابع‭ ‬لإيران‭ ‬يعمل‭ ‬بتوجيه‭ ‬منها‭ ‬ولأجلها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الحزب،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القناعة‭ ‬نتاج‭ ‬تفسيرات‭ ‬ومتابعات‭ ‬للأحداث،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬القضائي‭ ‬الموثق‭ ‬سيرسخ‭ ‬تلك‭ ‬القناعة‭ ‬ويزيد‭ ‬مساحتها‭ ‬شعبيًا‭ ‬ورسميًا،‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا،‭ ‬لهذا‭ ‬وجدنا‭ ‬مطالبات‭ ‬عديدة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬العدالة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭.‬

فقد‭ ‬يكون‭ ‬الحكم‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬بداية‭ ‬الانفصال‭ ‬فعليًا‭ ‬بين‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬والدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬وفك‭ ‬الارتباط‭ ‬بينهما‭ ‬وتغير‭ ‬النظرة‭ ‬اللبنانية‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬داعمة‭ ‬للدولة‭ ‬وعاملة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬ميليشيا‭ ‬إرهابية‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬ومصالح‭ ‬شعبها‭.‬