لمن كسر مجسمات إحدى الديانات.. لكم دينكم ولي دين

| منال منصور بن رجب

تابع الكثيرون في البحرين وخارج  البحرين تكسير فتاتين لمجسمات تمثل رمزاً لاحدى الديانات  ، ومع كل التداعيات وردود الأفعال ، وما اتخده المسؤولون من إجراءات قفزت إلى ذهني لفظة (التسامح) بأبعادها وتشعباتها ومدلولاتها ، فبعيداً عن التجاذبات على المستوى الأهلي ، أو الإجراء الرسمي ، واذا انطلقنا من القول  أنّ ( التسامح جزء من العدالة ) فأننا بذلك نخرج بهذه اللفظة من كونها قيمة ( مجردة) إلى كونها أداة ووسيلة وقانون ومنطلق ومقياس أكبر وأعم  وأشمل من حدود الوعظ النظري. ولكن كيف ذلك؟ لنتأمل الحقوق المدنية لوثيقة حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة ١٩٤٨م ومنها، حرية الفكر والوجدان والدين، حيث تضمنت المادة ( ١ ) مايلي: يولد جميع الناس أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق ، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الآخاء. أما المادة رقم ( ٨ ) فمن ضمن محتواها : لكل شخص الحرية في معتقده أو دينه وإظهاره بالعبادة ، وإقامة الشعائر أو الممارسة بمفرده أو مع جماعة. وفي ميثاق الأمم المتحدة الصادر ١٩٤٥ فقد أشار إلى حقوق الإنسان بصفتها حقوق متأصلة ( لجميع البشر ) مهما كان جنسهم أو دينهم أو أصلهم العرقي ، ومنها حرية الممارسة الدينية . وفي الواقع إنّ هذه المواثيق الدولية تضمنت صفة وروح ( التسامح) فتعدت من كونها تنظير ووعظ إلى إطار دولي ونهج عملي تُلْزم بها الدول ، وتتضمن مناهج التعليم لتتحول الى ( خبرة مربية) تمارس كسلوك يومي في حياة الأفراد والشعوب. أما القرآن الكريم دستور المسلمين ومنبع التشريع الأول في الدين الإسلامي ،فقد سطّرت الكثير من سوره معنى التسامح الديني ، ففي سورة ( الكافرون ) الآية ( ٦ )  قال تعالى: ((لكم دينكم ولي دين)). وفي الآية رقم ( ٩٨/ في سورة يونس ) قال تعالى : (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى  يكونوا مؤمنين)). وفي سورة الغاشية / الآية ٢٢ قال تعالى :((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )). لقد نسج الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حقوق العقيدة ضمن الاختيار والقناعة بصفة أن الإنسان يملك العقل للتمييز وهو المسئوول عن خياراته العقائدية أمام الله وليس لبشر حق محاسبته أو ترويعه أو اضطهاده أو قهره أو إهانته على أساس معتقده  ،وإنما الأصل هو الإقناع بالمعروف والحجج الدامغة وله  بعد  ذلك حرية الاختيار. لقد سبق الإسلام في جوهره المواثيق الدولية في روح التسامح  وأراد بها أن تكون نهجاً وسلوكاً للمسلم فجوهر هذه الآيات لو تمعنا فيها اجتهاداً نجدها تحث على التسامح وحرية الاعتقاد . وفي مملكة البحرين وعبر تاريخها كان التسامح ولازال قيمة وممارسة واصبحت البحرين رمزاً للتعايش والاحترام المتبادل بين جميع الطوائف والأديان ،ففي المادة ( ٢٢) من دستور مملكة البحرين نصت على أن (( حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة ، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد )). إلى جانب قيام الدولة ممثلة في توجيهات القيادة الحكيمة في ترسيخ مفهوم التسامح سلوكاً وممارسة حيث تأسست حسب توجيهات  صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه ( اللجنة البحرينية للتسامح والتعايش بين الأديان ) والتي نالت التقدير الدولي وعكست قيم التسامح بين كل الأديان والطوائف في مملكة البحرين. فالتسامح قيمة معنوية واخلاقية  عظيمة ، فهي الواجهة الرئيسية للحس الإنساني السليم ، ومن خلالها تنهض المجتمعات وتبني الدول ، وتترسخ قيم الحب والعدالة والأخوة الإنسانية ، وبها يُحْفظ  السلم الأهلي وتنعم بها الدول بالاستقرار الاجتماعي الذي هو أساس التقدم والأمن والأمان.