دروس من هجرة الرسول

| عبدعلي الغسرة

مع‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬محرم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يحتفل‭ ‬المسلمون‭ ‬بعام‭ ‬هجريٍ‭ ‬جديد،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬التقويم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ويحتفل‭ ‬المسلمون‭ ‬بذكرى‭ ‬هجرة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬“صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم”‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العظيمة،‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أسس‭ ‬ومبادئ‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام،‭ ‬وقد‭ ‬حملت‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭ ‬المباركة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬والقيَم‭ ‬السامية،‭ ‬معاني‭ ‬الصبر‭ ‬والنصر‭ ‬والتوكل‭ ‬والإخاء،‭ ‬وبفضلها‭ ‬حقق‭ ‬المسلمون‭ ‬بقيادة‭ ‬نبيهم‭ ‬النصر‭ ‬والعزة‭ ‬والتمكين‭ ‬فأصبحت‭ ‬كلمة‭ ‬الله‭ ‬العُليا‭ ‬وكلمة‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬السفلى‭.‬

ومن‭ ‬الدروس‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬منهجًا‭ ‬للمسلمين‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الهجرة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قرارًا‭ ‬فرديًا‭ ‬وخيارًا‭ ‬شخصيًا‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬قرارًا‭ ‬إلهيا،‭ ‬فالمهاجرون‭ ‬قدموا‭ ‬عقيدتهم،‭ ‬وقد‭ ‬خرج‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والمسلمون‭ ‬تاركين‭ ‬أرضهم‭ ‬ووطنهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬والإسلام،‭ ‬وكانت‭ ‬الهجرة‭ ‬سببًا‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬فشل‭ ‬مخططات‭ ‬الكافرين‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬إسكات‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬فشلوا‭ ‬وحاولوا‭ ‬قتل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬أفشل‭ ‬مخططهم،‭ ‬ومن‭ ‬الدروس‭ ‬اختيار‭ ‬الصحبة‭ ‬في‭ ‬الهجرة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الرسول‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬صحابته‭ ‬“رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم”‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬رسالته‭ ‬وإرساء‭ ‬دعائم‭ ‬دولته‭ ‬وكان‭ ‬اختياره‭ ‬الدقيق‭ ‬لهم‭ ‬نهجا‭ ‬أصيلا‭ ‬لمفهوم‭ ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬قوة،‭ ‬وتجلت‭ ‬أسمى‭ ‬الدروس‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬لوقت‭ ‬الهجرة‭ ‬ومكانها‭ ‬وكيفية‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬ليكون‭ ‬هو‭ ‬وأصحابه‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الكافرين،‭ ‬واختار‭ ‬جيدًا‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بالعمليات‭ ‬اللوجستية‭ ‬لتوفير‭ ‬ما‭ ‬يحتاجونه‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬وهنالك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬كالتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬والتمكين‭ ‬والاعتصام‭ ‬بحبل‭ ‬الله‭ ‬والثقة‭ ‬بنصره‭ ‬والتضحية‭ ‬والفداء‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الهجرة‭ ‬إلا‭ ‬واجبًا‭ ‬شرعيًا‭ ‬استجاب‭ ‬له‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وأصحابه‭ ‬لحماية‭ ‬دينهم‭ ‬أولا‭ ‬وأنفسهم‭ ‬ثانيا،‭ ‬قدموا‭ ‬مصلحة‭ ‬العقيدة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الدنيوية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وانطلقت‭ ‬ركائب‭ ‬المهاجرين‭ ‬ملبية‭ ‬نداء‭ ‬ربها‭ ‬مهاجرة‭ ‬بدينها‭ ‬مخلفة‭ ‬وراءها‭ ‬ديارها‭ ‬وأموالها‭. ‬وفي‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬آخى‭ ‬بين‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأنصار‭ ‬وبهذه‭ ‬الأخوة‭ ‬ووحدة‭ ‬الصف‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬صروح‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭.‬